للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الحكومة تسمّي أعمالنا الدينية سياسة لتحاربنا بذلك، كما يلبس القوي خصمه الضعيف لباس الجندي، ويقلّده شبه سلاحه ليقول للناس: إنه جندي، وإنه شاكي السلاح، وإنه مقاتل. وإنه يريد أن يقتلني فيستبيح بذلك قتله ...

ووقفنا عند حدود المطالبة بالحقوق الدينية الطبيعية فلم يعن ذلك شيئًا، وتدرّجنا من اللين إلى الشدّة، فلم ينفعنا ذلك فتيلًا، وجارينا الظروف أحيانًا، فلم يجدِ ذلك نقيرًا، وجاوزنا الحدود أحيانًا، لنستعين بشيء على شيء ولنتخذ من الأشدّ وسيلةً للأخفّ فلم يفد ذلك قطميرًا، وتطوّر الزمان وتطوّرت الأمّة، وتعدّدت المقتضيات، ولكن الحكومة جامدة ودار ابن لقمان على حالها؛ ورجعنا إلى تجارب ربع قرن ندرسها، ونعتصر منها ما نجعله أساسًا لأعمالنا من جديد، وقاعدةً لمستقبلنا ومستقبل ديننا ولغتنا وأبنائنا، فكانت نتيجة الدرس أنه لا أظلم من الظالم إلا من يخضع لظلمه ويحترم قوانينه الظالمة.

أما الرأي الشجاع العاقل الحصيف الموزون بميزان العدل والحق، ولا يضيره أن يكون هو الرأي الأخير، ولا أن يكون رأيَ (العبد الفقير). فهو أن نجمع ونصمّم، ونعتمد على أنفسنا، ونتوكّل على ربّنا، ونتعلّم ديننا ولغتنا وكل ما يخدمهما من علوم وفنون، من البدايات إلى النهايات. لأن ذلك ألزم لحياتنا ووجودنا من الطعام والشراب. ولا نبالي بمخلوق يقف في الطريق، ولا بحقود يغصّ من حقده بالريق.

واذلّاه ... واذلّاه ... أما يكفينا ضعةً وهوانًا أن نستجدي ونمد أكف (الشحاتين) في شؤون ديننا؟

لا استجداء في الدين بعد اليوم- أيتها الأمّة- إن كنت مؤمنة بالله واليوم الآخر، وبمحمد وبالقرآن، وعفا الله عما سلف من ذلك.

أما نحن فقد كنا علماءَ دين، ودعاة علم وتربية، وزرّاع خير ورحمة، ولكن الحكومة تعدّ هذا كله سياسة، وتعتبرنا لأجله سياسيين: فليكن ذلك، ولنكن علماءَ وسياسيين، ولنكن كل شيء ينفع أمّتنا ويحمي ديننا ولغتنا.

ما دمتَ لا تجد صاحبك إلا حيث تكره، فمن العدل أن لا يجدَك صاحبك إلا حيث يكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>