للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاليقظة موجودة، ولكنها لم تصل- بعدُ- إلى الصحو الصاحي، وما زالت تغالبها بقايا من النوم الثقيل الطويل، والتعليم الأجنبيّ- على تفاهته في الكيف وقلته في الكمّ، وعلى اضطرارنا إليه وإقبالنا عليه- يسبقه جهل، وتقترن به آفات، وتعقبه مفاسد، وهو- على ذلك كله- يفتح عينًا، ليعمي عينًا ومن بلغ إلى غايته منّا أصبح بالطبيعة متنكّرًا لماضيه ودمه وقومه، لأن ذلك التعليم وجده فارغًا فملأه بما يشاء هو، لا بما نشاء نحن ...

وأما حالة المدرسة العربية الحاضرة فهي محل الشاهد.

ما هي الغاية من المدرسة العربية الحديثة؟

ما دُمنا من بناة هذه المدرسة، ومن أول الداعين إليها، والقائدين لحركتها، والواضعين لبرامجها، والمشرفين على كل دقيقة وجليلة فيها، والمعرّضين للبلاء في سبيلها، ففينا من الجرأة ما يدفعنا إلى الجواب عن هذا السؤال.

الغاية من هذه المدرسة هي تربية هذا الجيل وتعليمه.

وغاية الغايات من التربية هي توحيدُ النشء الجديد في أفكاره ومشاربه، وضبط نوازعه المضطربة، وتصحيحُ نظراته إلى الحياة، ونقله من ذلك المضطرَب الفكري الضيّق الذي وضعه فيه مجتمعه، إلى مضطرَب أوسعَ منه دائرة، وأرحب أفقًا، وأصحّ أساسًا، فإذا تمّ ذلك وانتهى إلى مداه طمعنا أن تخرج لنا المدرسة جيلًا متلائمَ الأذواق، متّحدَ المشارب، مضبوط النزعات، ينظر إلى الحياة- كما هي- نظرةً واحدة، ويسعى في طلبها بإرادة متحدة، يعمل لمصلحة الدين والوطن بقوة واحدة، في اتجاه واحد.

غاية التعليم هي تفقيهه في دينه ولغته، وتعريفه بنفسه بمعرفة تاريخه، تلك الأصول التي جهلها آباؤه فشقوا بجهلها، وأصبحوا غرباء في العالم، مقطوعين عنه، لم يعرفوا أنفسهم فلم يعرفهم أحد.

فهذه هذه الغاية السامية التي في تحقيقها نجهد ونكدح، وللوصول إليها نعمل، وفي العمل لها نلقى الأذى، وفي الأذى فيها نلقى راحة الضمير واطمئنان النفس، وببلوغها- إن شاء الله- نكون قد أدّينا الأمانة، وقضينا المناسك، وكفّرنا عن جريمة التقصير، وفزنا بالعاقبة فحمدنا السرى.

وبماذا يتم تمامُ هذه الغاية؟

لا يتم هذا على وجهه المثمر إلا بتوحيد منهاج التربية وبرنامج التعليم، ولا يتم توحيد المنهاج والبرنامج إلا بتوحيد الإدارة، ولا يتمّ توحيد الإدارة إلا بتوحيد الإشراف العام، درجات متلازمة سبقتنا بها الأمم التي بنتْ حياتها على تجربة النافع والأخذ بالأنفع، فقطعت الأشواط البعيدة في الزمن القريب.

<<  <  ج: ص:  >  >>