للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دعوة مكررة إلى الإتحاد *

دعوْنا بالقلم مرّات أحزابنا السياسية الجزائرية إلى الاتحاد؛ وبينّا لهم ما يجهلونه من ثمراته وفوائده. ودعونا إليه باللسان في مجالس لا تحصى، نوّعنا فيها العبارات، وشرحنا الأسباب الداعية إليه من واقعة ومتوقعة؛ وخاطبنا بذلك جماعة من المسؤولين وذوي الرأي من أحزابنا، وتلطفنا في التحيّل، فاخترنا للدعوة كثيرًا من المناسبات التي يسهل معها الدخول إلى النفوس النافرة، والتأثير على العواطف الفائرة، والتغلّب على النزعات الحادة، واتخذنا من الإسلام والعروبة الجزائرية محورًا للدعوة إلى الاتحاد، وموئلًا نسوق إليه المتفرقين من أهله، لا تحريكًا للعصبية الدينية أو الجنسية، ولكن لأنها الجوامع الطبيعية لرجالنا العاملين، والصفات التي تربطهم بالأمة، والأصول التي ائتمنتهم الأمة على المطالبة بحقوقها فيها، ولأن الاستعمار إنما يسومنا الخسف والظلم لأجل هذه الثلاثة ويغالبنا عليها منذ قرن ونيف؛ ولو أن الشعب الجزائري كان مسيحي الدين عربي الجنس لَلقي من الاستعمار بعضَ العطف بمقدار ما تقتضيه أخوّة الدين، وإن تقاضى منه ثمن ذلك العطف تسخيرًا في تذليل بني العمومة من العرب والمسلمين كما هي عادة الاستعمار التي عرفها العرب وتفطنوا لخباياها، ولو كان هذا الشعب غير عربي ولا مسلم للقي من عطف الاستعمار المسيحي الشيء الكثير، بشرط أن تبقى العنجهية الأوربية هي السائدة فوق الجميع.

ولو أننا قصدنا في الدعوة إلى الاتحاد على تلك الأصول الثلاثة، إثارة النعرة الدينية أو الجنسية، لما توجّه إلينا لوم من عاقل في هذا الزمن الذي أصبح من مميزاته وخصائصه التجمّع العنصري في أعرض الأمم دعوى في الإنسانية والديمقراطية، والتكتّل الديني في أعرقها نسبًا في الإلحاد واللايكية.

...


* نشرت في العدد ١٣ من جريدة «البصائر»، ١ ديسمبر سنة ١٩٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>