للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلّ مسلم عربي جزائري مخلص يُؤيّدنا في الدعوة إلى هذا الاتحاد. ويود منه ما نود، ويعتقد فيه ما نعتقده من أنّه المعقل الوحيد للقضية الجزائرية والوسيلة الوحيدة لنجاحها، ويرى ما نرى من آثار هذا التفرّق الشنيع الذي شتّت شمل هذه الأمة الضعيفة فزادها ضعفًا على ضعف في وقت تطلعتْ فيه إلى المطالبة بحقّها، فهي فيه أحوج ما تكون إلى جمع القوى والتئام الشمل واتحاد الكلمة.

ترد علينا رسائل كثيرة من عقلاء الأمة المخلصين لها السالمين من عصبية الحزبية، وكلها حضّ على السعي في الاتحاد بين الأحزاب وجمع الكلمة المتفرقة في هذا الوقت التي تجمعت فيه جموع الاستعمار على دحض حقّنا بباطله، وفي هذا الجو الذي كله نذر ومخاوف، والرسائل على كثرتها بحيث لا يخلو منها بريد يومي وخصوصًا في الأسابيع الأخيرة- كأنما كتبت بقلم واحد في أمور ثلاثة: التشهير بضرر الخلاف، والتنويه بضرورة الاتحاد، وتعليق الأمل في جمع الكلمة على كاتب هذه السطور وجمعية العلماء. وقد تغالى بعض الكاتبين فعصب قضية الاتحاد برأس كاتب هذه الكلمة، وجعلها عهدة في عنقه، وبالغ بعضهم- وهو من ذوي الآراء النيّرة والعلم الواسع والإخلاص المحقّق- فقفز إلى غاية الغايات وهي جمع الكفاءات في حزب واحد.

أما ضرر الخلاف على القضية الجزائرية فهو أمر يستوي في إدراكه جميع الناس، وأما ضرورة الاتحاد فهي أمر لا يختلف فيه عاقلان، وهو أمنية كل مسلم مخلص لدينه وجنسه ووطنه، وقد شعر به المسؤولون من رجال الأحزاب فتداعوا إليه جهرة في حين حدّة الخلاف وعنفوانه، ووجود أقوى أسبابه. ولا يماري في لزوم الاتحاد إلا قصير النظر في العواقب، أو خادم لركاب الاستعمار من حيث يدري أو لا يدري، أو مدخول النسب في الوطنية، أو مغطى البصر في العصبية الحزبية، أو سمى العقيدة في الإسلام والعروبة، أو متّهم في إخلاصه لهما، نقول هذا بكل صراحة لأننا نعتقده، ونعتقد معه أن كل الأحزاب في جميع الأمم لا يخلو أتباعها من أخلاط، كما لا تخلو أعمالها من أغلاط. وأما تعليق الأمل بكاتب هذه السطور وبجمعية العلماء فهو في محله، لأن الكاتب خلق لذلك، وعمل لذلك، وأنفق عمره في ذلك، وحلّ أصعب عقدة عقدها الاستعمار فجمع الكراغلة والحضر (١)، على ما جمع


١) قبيلان يتكوّن منهما سكّان مدينة "تلمسان"، المدينة التاريخية القريبة من الحدود الغربية للجزائر، والكراغلة هم بقايا العنصر التركي الذي كان يحكم الجزائر، والحضر هم من عدا الكراغلة من عرب وبربر، وقد كانت بين القبيلين عداوة مستحكمة منذ الحكم التركي، وزاد بها الاستعمار الفرنسي ثباتًا واستمرارًا. ولما استقرّ كاتب هذا المقال بتلمسان ممثّلًا لجمعية العلماء وناشرًا لمبادئها في العمالة الوهرانية كانت أول مشكلة اعتنى بحلّها هذه المشكلة بين هاتين الفرقتين، وقد وفّقه الله في ذلك، فتآخى الفريقان على رغم أنف الاستعمار.

<<  <  ج: ص:  >  >>