للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه الإسلام ربيعة ومضر. وتمّ بسعيه وسعي إخوانه العلماء- في وقت لا يقل حرجًا وضيقًا عن وقتنا هذا- جمع الأحزاب في هيئة أحباب البيان، يوم كان البيان هو مسألة الوقت ومحلّ الإجماع، وكان يصرّح هو وإخوانه في كل جلسة كما يصرّح الآن بأن جمعية العلماء "فوق الأحزاب" لا فوقية التعالي والترفّع، إذ لو كانت كذلك لما رضيت بالدخول في هيئة، ولا بالحضور في مجمع، وإنما هي فوقية الإرشاد والنصيحة والمحافظة على الوحدة، بحيث تكون الحَكَم والمرجع كلّما شجر خلاف في رأي، أو نجمت فرقة في مبدإٍ، ولكن بعض رجالنا- سامحهم الله- لم يفهموا هذا المقصد الصالح، وأرادوا الجمعية على أن تكون قسيمًا ثالثًا وطرفًا في النزاع، وحملوها على غير حقيقتها ومبادئها، وأوّلوا بالهوى بعضَ مواقفها الضرورية على غير وجهها، وأراد كل فريق أن تكون ألعوبة في يده، أو مسخّرة لأغراضه، أو أداة يهدم بها خصمه، والجمعية فوق ما يظنون، وفوق ما يتوهمون، ليست عاملَ تفريق، وإنّما هي عامل جَمْع، وليست أداة هدم، وإنما هي أداة إصلاح، ولو استبطن رجالنا السياسيون بواطنَ الأمور، وتدبروا عواقبها، لعلموا أن المصلحة الوطنية أولًا، والمصلحة الحزبية ثانيًا، تقتضيان وتتقاضيان من العاملين لهما أن تكون جمعية العلماء فوق الأحزاب، لتكون حكمًا بين الأحزاب، ولو جرت الجمعية على ما أرادوا لكانت حزبًا سياسيًّا ثالثًا يزيد الطين بلّة، وفي الأمراض علة؛ وفي صفوف الأمة صدعًا، ولانهارت دعامة الاستقلال الأولى وهي العلم والتعليم، أما كفى الأمة ما تعاني من حزبين حتى نزيدها ثالثًا؟

...

لا بدّ في الاتحاد من تذكّر بعض الماضي، ولا بدّ من نسيان بعضه، يُذكر الصالح من الماضي ليبنى عليه الحاضر، وينسى غيره لأن السياسة تتلوّن بالظروف، والظروف رهينة التحوّل والتغيّر؛ إنما يستثار التراب الساكن للبحث عن شيء نافع؛ أما إثارته لغير معنى ولا فائدة، فهو عمل يقذي ويؤذي فنرجو من رجالنا- ونلحّ في الرجاء- أن يتّحدوا على الأصول المسلمة، لأننا نعلم جميعًا أن الغاية واحدة، وأن الخلاف إنما هو في الوسائل الموصلة إلى تلك الغاية، وإذا كان الأمر كذلك كان الاتحاد من أيسر الأمور، زيادة على كونه من ألزم الأمور، وما ضاق الرأي والتدبير يومًا عن تقريب المتناقضات، فضلًا عن جمع المتقاربات. وإذا صدقت النيات، وصفت الضمائر، وأخلصت القلوب في خدمة الوطن- فكل صعب يهون، وكل عسير يتيسّر.

على رجالنا أن يعلموا أنه إذا كان الاتحاد لازمًا في كل وقت، وحسنًا في كل وقت، فهو في هذا الوقت ألزم وأحسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>