للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما والله- ألية المسلم البر، وسريرة الضمير الحر- لا ترجع هيبة العلماء إلى مستقرّها من نفوس الأمة حتى يقوموا بعهد الله في بيان الحق، ويتضافروا على حرب البدع والضلالات التي لابست الإسلام، ولبست عقائده ففسدت، وآدابه فكسدت، ولبست على المسلمين دينهم فأصبحت حقائقه في واد، وعقولهم في واد، وحتى يجلوا على الأمة تلك الكنوز الدفينة في كتاب الله كتاب الإنسانية العليا، وفي سيرة محمد دستور الحق والخير والكمال؛ وإن ذلك في صميمه هو ما تقوم به جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، في دعوتها وعملها الإصلاحيين، وإنها لا تفتأ جاهدة في الإصلاح الديني حتى تؤدي أمانة الله منه، وتبلغُ الغاية من إقراره في النفوس، وتمكينه في الأفئدة؛ وقد بلغت دعوتها للمقصورات في خدورهن، وللرُّحل في قفارهم، وللبداة في بواديهم، وللحضر في نواديهم، حتى أصبحت آثارها بادية في العقول والأفكار والإرادات وقد رجع للقرآن بعض نفوذه وسلطانه، وحجّته وبرهانه، وللسنّة النبوية مكانها علمًا وعملًا، وللعلماء المصلحين قوّتهم في التوجيه، ومكانتهم في التدبير، وقدرتهم على القيادة.

وإن هذه النتيجة لدعوة جمعية العلماء لمعجزة ادّخرها الله لهذا القطر الجزائري، فلا يوجد قطر من أقطار الإسلام تأثّر أهله بالفكرة الإصلاحية الدينية كما تأثّر مسلمو الجزائر، ولا يوجد في علماء الإسلام جماعة قاموا بهذه الدعوة الجريئة، متساندين مجتمعين، يجمعهم نظام وانسجام، كما قام رجال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، على كثرة اللدد في الخصوم ووفرة اللجاج في المعارض؛ وكم وددنا لإخواننا علماء الأقطار الإسلامية، لو قاموا بمثل ما قمنا به من تطهير عقائد المسلمين، وتوجيههم التوجيه الصحيح النافع في الدين والحياة، والرجوع بهم- في صراحة وجرأة- إلى كتاب ربّهم وسنّة نبيّهم، وإنقاذهم بذلك من عصبيات المذاهب والطرق التي فرّقت شملهم، ومصائب التفرّق والخلاف التي أذهبت ريحهم؛ ومع أن إخواننا علماء الإسلام يملكون ما لا نملك من وسائل الاجتماع، وأسباب القوة، فإن جهودهم في الإصلاح الديني لم تزل فردية محدودة، وخطواتهم في السير به لم تزل بطيئة متثاقلة.

أما والله، لو أنهم اجتمعوا وتذامروا، وشنّوها- كما شنناها- غارة شعواء على البدع والضلالات التي مهّدت للانحلال وفساد الأخلاق بين المسلمين، ومكّنت للضعف والخور في نفوسهم، وللوهن والفشل في عزائمهم، وللزيغ والاعوجاج في فطرتهم، وللرثاثة والنكث في روابطهم، ثم صيّرتهم- لذلك- حمًى مستباحًا، ونهبًا مقسمًا، لو فعلوا ذلك لأعادوا للإسلام قوّته وكماله، ونضرته وجماله، وللمسلمين مكانهم في البشر ومكانتهم في التاريخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>