للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أفي كلّ قرية حاكم بأمره؟ *

كأن في القطر الجزائري حكومات متعددة لا حكومة واحدة. بل كأن كل قرية فيها متصرف بسيط - حكومة مستبدة ترجع في النقض والإبرام إلى رأي المتصرف لا إلى

القانون العام، وكأن القوانين التي يُساس بها هذا القطر ليست مسطرة في الدفاتر، بل في أدمغة أولئك الحكّام المحليين.

وذلك كلّه لأن الذين تطبّق عليهم تلك القوانين والأحكام عرب ومسلمون وأنديجان، وتظهر تلك التصرفات الشاذة جلية في معاملة جمعية العلماء ورجالها، والتعليم العربي ومعلّميه ومدارسه وجمعياته، فزيادة على الصفة اللازمة لحكومة الجزائر الاستعمارية، وهي المقاومة للتعليم العربي والدين الإسلامي ولجمعية العلماء القائمة بهما، ترى أن عمّال الحكومة لا يرجعون في ذلك إلى طبيعة حكومتهم لأنها تبرد حقدهم على الإسلام والعربية، بل يرجعون إلى آرائهم الفردية وطبائعهم الخاصة، لأنها هي التي تُطفئ الغيظ وتطفئ نار الحقد. وحكومتهم تسمع وكأنها لا تسمع، وترى وكأنها لا تبصر، لأن أعمالهم ليست شذوذًا في قاعدة ولا خرقًا لإجماع، وإنما هي قيام بفرض لم تأمر به الحكومة، ولا يسوءها القيام به.

...

في العام الماضي عطّل متصرف خنشلة مدرسة قاييس بأمره الخاص وإرادته، وما زالت معطلة إلى الآن برغم ما بذلناه من الاحتجاجات الصارخة، وعطل حاكم سور الغزلان مدرسة "سيدي عيسى" بلا سبب، ولم يأذن بفتحها إلا بعد ترضية بسيطة قدّمتها الجمعية المحلية للمدرسة اختصارًا للإجراءات، وعطّل حاكم مايو مدرسة "بي منصور"، ونفى معلّمها من دائرته، وجرّ أعضاء جمعيتها إلى محاكمات مزوّرة أعدّ لها كل ما سوّلته له نفسه الطاغية من


* نشرت في العدد ٥٠ من جريدة «البصائر»، ٢٠ سبتمبر سنة ١٩٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>