للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن أسوأ السوء في أصحابنا أنهم يقدمون على الأمور الكبيرة بالأنظار القصيرة، وإننا لا نجاوز هذا المقام حتى نكشف للقرّاء الكرام عن حقائق تجب معرفتها لعلّهم يفهمون بها العقد الملتوية من شيوخ الطرق بالأمس وعلماء السنّة اليوم، ويطّلعون على مواطن الضعف من إدراكهم، وإذا أفهمنا المستعدّين للفهم فما علينا أن لا يفهم أصحابنا. وهل نحن معهم إلا كما قال ابن الرومي:

ولا أنا المفهم البهائم والطـ ... ير سليمان قاهر المرده

إن المتتبع لتاريخ هؤلاء الدجّالين يجدهم لم يخلوا من التحرّق على الإصلاح والتنكّر له في جميع أطواره وعلى اختلاف مظاهره فقد كانوا متنكرين له وهو جنين فلما ظهر في الأفراد ازدادوا له تنكّرًا وعليه نقمة، فلما ظهر في شكل جمعية أجمعوا أمرهم وشركاءهم لحربه بهذه المكائد. ألم تعلموا أنهم قبل أن يظهر الإصلاح بهذا الوطن وتلهج الألسنة باسمه كانوا يلعنون ابن تيمية وابن حزم ومحمد عبده وغيرهم من أئمة الإسلام الذين جهروا بإنكار البدع، فلما ظهر الإصلاح بالمظهر الفردي كان أمضى سلاح يقاومونه به قولهم تيمي، عبداوي.

هذا ما نعلمه من حالهم ونستيقنه، ولكن القوم ظهروا في الدور الأخير بأقوالهم وأقوال خطبائهم وعلمائهم وكتّابهم وشعرائهم بمظاهر مختلفة لا تتفق مع تلك الحقيقة وقل هو الجهل أو قل هي الشعوذة. فتراهم يتّخذون الأشخاص هدفًا ويرمون حتى تنفد النبال ويطاعنون حتى تنكسر النصال على النصال فتقول أنت إن القوم لا يقاومون إصلاحًا وإنما يحاربون أشخاصًا لهم معهم تِرَاتٌ وذحول وتراهم كذلك يقولون الإصلاح المزعوم، الوهمي، الكاذب، فتقول أنت إن القوم ينشدون إصلاحًا واقعيًا حقيقيًا صادقًا، ولكنّك تراهم مع هذا وذاك غرقى في البدع الصفاء والمنكرات العمياء وتراهم يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق ويشترطون السكوت عن تلك البدع وتلك الأباطيل لأن لهم وحدهم فيها فائدة- وإن أهلكت الأمة كلها- فتقول أنت وحدك ومن غير عناء، هذا غير الأول، وهذا ليس من ذاك، وهذا ليس يتفق مع الإصلاح المزعوم ولا الحقيقي.

هؤلاء هم أصحابنا ببردين من تمويه ومغالطة. ونحن، فقد تعلّمنا منهم قليلًا من التمويه والمغالطة نستعمله عند الحاجة فإن أفاد فالفضل لهم. فلنسأل أصحاب تلك الألسنة الكاذبة وتلك الأقلام الكاتبة سؤالًا هو في الإبهام من نوع علومهم، وفي البساطة على قدر فهومهم فنقول لهم: أي هدف ترمون بهذه الشتائم المصبوبة؟ وأي غرض تقصدون بهذه المكائد المنصوبة؟

<<  <  ج: ص:  >  >>