للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المخاوف منها، وتزين المبالغة في إرهاقها وتعذيبها، ولا تقنع بما يقع من الحكّام من ضغط وزجر وإعنات، بل تعدّه تقصيرًا منهم في الواجب، وتفريطًا في المحافظة على السيادة الاستعمارية، والحقوق الفرنسية، ولذلك كله تراها لا تدعو ثبورًا واحدًا، بل تدعو ثبورًا كثيرًا كلما سمعتْ نبأة بطلب حق، أو رفع مظلمة، وشأن الصحافة الحرّة شأن النوّاب الأحرار، قلة في العدد، ونضوب في المدد، وريح تُلاقي إعصارًا.

وهذه هي حقيقة الصحافة في الجزائر، فكيف يُرجى منها ما يُرجى من مثلها عند الأمم من مراقبة حكومة، أو محاسبة حكّام، حتى يفشو العدل ويشيع بين الناس.

...

يقول الاستعمار- وقوله الباطل-: لا حق للأمة الجزائرية في الحياة، وما قالها إلا بعد أن فعلها ... جرّدها من سلاح الحماية، فلا قانون يحميها، ولا نيابة تنطق باسمها، ولا صحافة تدافع عنها، ولا حاكم منها يعطف عليها ... فمن الذي يحمي عرضها من الثلب، ويحمي مالها من السلب، ويحمي دينها من القلب، ويحمي جسمها من الضرب، لا شيء ... لا شيء ... ولا بعض الشيء ...

هل تنتظر هذه الأمة العدل من فرنسا (منارة العدل)؟ لقد انتظرته حتى ملّت الانتظار، فعادت إلى اليأس، وارتفعت صيحاتها بالتظلّم إلى فرنسا حكومةً وبرلمانًا وشعبًا، فلم يجبها عند ذاك مجيب.

حلّت المصائب بهذه الأمة، وتتابعت المكائد التي تدبّرها حكومتها الاستعمارية، فرفعت صوتها إلى آخر ملجإ حكم عليها القدر بالالتجاء إليه، وهو فرنسا، فلم تظفر منها بشيء يداوي الجروح، ويسلّي النفوس، ولا رأت منها عناية- ولو مصطنعة- بهذه القضايا الخطيرة، ولا نهيًا عن تلك المنكرات التي تئطّ منها السماء والأرض، ومظهر العناية من دولة عريقة في الجمهورية، وأيسر شيء عليها أن ترسل لجنة برلمانية للتحقيق العادل، ولكن شيئًا من ذلك لم يقع. بل وقع في كل حادثة ما يضاده ويعاكسه، وهو إعلان الثقة بمدبّري المكائد، ومكافأتهم عليها، والإملاء لهم ليزدادوا طغيانًا وإثمًا.

وقعت حوادث ٥ أوت ١٩٣٤ - وهي مكيدة مدبّرة- فلم تحرّك فرنسا ساكنًا، وتركت المكيدة تجري لغايتها.

ووقعت حوادث ٨ ماي ١٩٤٥ المروّعة فأعلنت فرنسا ثقتها بالمدبرين لها، ورضاها عما يصنعون، واهتزت الدنيا لهولها وفظاعتها، ولم تهتز فرنسا إلا هزّة الإعجاب ببطولة الهاتكين

<<  <  ج: ص:  >  >>