للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جديد يصلح فاسدهم أو ينقلهم من صالح إلى أصلح. وكمن يؤسّس جمعية للأميين ليبقوا أميين، أو جمعية الضُّلَّال ليبقوا على ضلالهم، أو جمعية العمي ليبقوا على عماهم، لا شيء آخر زائد على ذلك. فمثل هذه الجمعيات التي ضربنا بها الأمثال لا تدوم- إذا وجدت- لخلوّها من عنصر الجدة المقتضي للنمو والتكامل. وقد وجد منها نمط على سبيل المثال وهو جمعية علماء السنّة. فكان ذلك النمط مثالًا للمعدوم وكان ذلك النمط شاذًا في بلاد الشذوذات والاستثناآت. وقد أراد أصحاب ذلك النمط الشاذ أن يفرضوه فرضًا على سنن الله في كونه، وإن سنّة الله لكفيلة بطرحهم وطرح نمطهم فليرتقبوا ...

وإذا كان في العلم ما يفيد فإن في بعضه ما ينكي ويغيظ وهو ما نعلم به أصحابنا شيوخ الطرق من طبائع الجمعيات وأمزجتها وما تفرغه على الداخلين فيها من ألوان، فهم يجهلون هذا كله، ولولا جهلهم به لما أقدموا على الدخول في جمعية علماء السنة، ولفرّوا منها فرار السليم من الأجرب، ولكان أهون الشرّين عليهم شرّ الإصلاح ولكن لا بدّ من مصداق لقول الشاعر:

يقضى على المرء في أيام محنته ... حتى يرى حسنًا ما ليس بالحسن

فاسمعوا أيها الشيوخ الفضلاء، نعلمكم احتسابًا ولا نسألكم على هذا التعليم أجرًا، ولو كنّا نضمر لكم غشًا لغششناكم في هذه النقطة لأن النصح فيها لا يتفق مع مصلحتنا، فاسمعوا:

إن من طبيعة هذه الجمعيات التي كنتم منها في أوسع عافية لولا أن الجأكم إليها (هم الزمان) أنها تغطي على الأسماء والألقاب وهي رأس مالكم، وأنها تقضي على الشهرة والصيت وهي حبائلكم وشباككم التي تصطادون بها العامّة. ومن مزاجها أنها تسوي بين الناس في السمعة، حتى يصير القنديل كالشمعة، ويوازن البحر بالدمعة، وهذا شيء لا يوافق مزاجكم المعجون بالأنانية والاستئثار.

ومن ألوانها التي تصبغ بها الداخلين فيها المناوبة في الكلام، والسؤال والجواب والأخذ والرد والإيراد والدفع والمواجهة بالتكذيب وقول لا، ولماذا؛ وهذه كلها أشياء ثقيلة على مزاجكم اللطيف لم تتعوّدوها ولم توطنوا أنفسكم عليها، وإنما تحسنون من هذا كله نوعًا مخصوصًا في مقامات مخصوصة مع قوم مخصوصين رضتموهم على أن يجتمعوا حولكم ويستمعوا قولكم، فتقولون لهم قال الله فيما تقولتموه، قال رسول الله فيما قال مسيلمة، فلا يعتقدون إلا أن ذلك كما قلتم.

ولقد قال رجل منكم- وكلكم ذلك الرجل- لأتباعه وهو يحضهم على دفع المغرم للزاوية: يَالَخْوان (٢)، قال الله: لا تنالوا البر والبحر حتى تنفقوا، فقالوا جميعًا صدق الله.


٢) مفردها "الخُوني"، وتطلق على أتباع الطرق الصوفية، وقد يكون معناها "أيها الإخوان".

<<  <  ج: ص:  >  >>