للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحقيقة هي أن هؤلاء القوم ما زالوا حيث تركناهم في سنة ١٩٣٧، لم تؤثر فيهم أحداث الزمن، ولم يتأثروا بما حل بالأمة من محن، ولم تخرق آذانهم هذه الأصوات المتعالية، ولا انتهى إلى إحساسهم شيء من هذه اليقظة المتفشية في الأمة، ولا وصل إليهم أثر من هذا التطور الذي غمر العالم، وأنهم ما زالوا آلات صماء في يد الاستعمار، يصرِّفها متى شاء لما شاء؛ بل الواقع أنهم ازدادوا تعلقًا به وطاعةً له، بقدر ما أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف؛ ومن دأب الاستعمار إلصاق الحاجة بالناس ليتخذها مقادة لضعفاء الإيمان والإرادة منهم، وقد حلت المصائب بهذه الأمة، وهؤلاء القوم غارّون في نومهم، وامتلأت السجون والمعتقلات بالرجال، وهم آمنون مطمئنون، وجاعت الأمة وما منهم إلا الطاعم الكاسي، وإن الصحف لَمُنَشَّرةٌ بين أيدينا بما أخذوا من المؤن باسم الزوايا، وبما باعوا منها في السوق السوداء، وما كانوا يأخذون تلك المقادير الوافرة إلا على حساب الأمة، فلهم الويل: أهي زوايا أم متاجر؟

إن الحكومة الجزائرية الاستعمارية تعرف ما لا يعرفون، تعرف أن التطور سنة من سنن الله، ولكنها تؤجل وتطاول، وقد أحست بضغط المطالبة بالحقوق السياسية والدينية، فحرّكت هؤلاء القوم بعد طول الهجعة، وأعدّتهم للمعارضة والتشغيب على طلّاب الحقوق الدينية، كما أعدت طائفة أخرى انتخبتها هي لا الأمة للتشغيب على طلّاب الحقوق السياسية، وقد كشفت الانتخابات التي تدور رحاها في هذين الأسبوعين ما كان مبيتًا من مكايد الحكومة، وفضحت ما كان مدبرًا من مخازيها، وتبين ما كنا نعتقده ولا نشك فيه، وهو أن المؤتمر الأول، والمؤتمر الثاني، والمجلس الجزائري، ذريةٌ بعضها من بعض، وكلها من صنع يد الحكومة، وبعضها متمم لبعضها، وكما أنه لا حرية للأمة في هذا الانتخاب، لا إرادة للمؤتمرين في ذلك الاجتماع، ويجمع ذلك كله قولك: تدبيرات لإخماد الحركتين الدّينية والسياسية بهذا الوطن.

الأمة تطالب بفصل الدين عن الحكومة، ولسانها في ذلك جمعية العلماء، والمطلب حق، ولا مفرّ للحكومة منه، والحكومة لا تريد أن تنفض يدها من المساجد وأوقافها ورجالها، فكيف العمل؟ العمل هو جمع هذا الجند من المفتين والأئمة والمؤذنين ورجال الزاويا، وإعدادهم لوقت الحاجة فإما أن يبقى ما كان على ما كان، وإما أن تسلم المساجد والأوقاف لهم، لأن هذا أيضًا لا يخرج عن إبقاء ما كان على ما كان.

والأمة تطالب بحقوقها السياسية، ولسانها في ذلك رجالها السياسيون، والمطلب حق، والحركة دائبة، فكيف العمل؟ العمل هو أن تنتخب الحكومة نفسها (على طريقة نيرون) أغلبيةً ساحقةً للمجلس الجزائري، تضمن لها إبقاء ما كان على ما كان ... ولو إلى حين.

وعبد الحي الكتاني ... ما هو وما شأنه؟

<<  <  ج: ص:  >  >>