للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن فروع هذه الشجرة الخبيثة الظهير البربري المشهور.

ومن فروعها ما سارت عليه حكومة الجزائر منذ قرن في وطن زواوة من تخصيص بقوانين وأحكام إدارية وقضائية، وتقوية النظام العشائري فيه، وإبعاده بالتدريج عن القضاء الإسلامي.

ومن فروعها تكثير مراكز التبشير بالنصرانية في الوطن القبائلي.

ومن فروعها راديو الجزائر للغة القبائلية.

وليست الحكمة في الإذاعة القبائلية هي الأخذ بخواطر القبائل وتشريف لغتهم؛ لأن الحكومة تعلم ما نعلم من أنّ خمسة وتسعين في المائة من القبائل سكان (مداشر) (١) في رؤوس الجبال لا يعرفون الراديو ومن (ردّاه)، ولا يسمعون صوته ولا صداه. والخمسة في المائة من سكان الحواضر والقرى الاستعمارية يتكلمون العربية ويفهمونها كما يفهمون الفرنسية، ويستطيبون الإذاعة العربية، ويطربون للموسيقى العربية لأنهم عرب مسلمون، رغم أنف الاستعمار.

وإنما الحكمة الاستعمارية في هذه المسألة خاصة- زيادةً على ما تقدم- أن يشيع في العالم الذي لا يعرف لهذا الوطن إلا لغةً واحدة وهي العربية، أن فيه لغةً أخرى يتكلمها كثير من الناس ولا يفهمون العلم والحياة إلا بها، بحيث اضطر- شفقةً عليهم ورحمةً بهم- أن يخصص لهم إذاعةً، وينفق عليها الملايين احترامًا لهذه اللغة، ولأهلها.

ولو علم العالم حقيقة الأمر وعلم ما عليه أهل هذه اللغة من بؤس وما هم فيه من شقاء لقال للاستعمار الفرنسي ما يقوله المصري لقليل الحياء: (اختش).

إن هذه (العملية) الجديدة سلاح مبتكر لحرب العربية، ومكيدة مدبرة للتقليل من أهميتها، وحجة مصطنعة لإسكات المطالبين بحقها في وطنها. ولكنه سلاح مفلول، ومكيدة فاشلة وحجة داحضة، يسخر منها القبائلي قبل العربي. وسيعلم الاستعمار وأعوانه أن هذه الموجة ستبتلعها أمواج، وأن المذيعين فيها كالمغنين في المقبرة. أصداءٌ في الأثير، لا تحرِّك ولا تثير.

وقد فات هذه الحكومة، التي تنفق أموال الأمة فيما لا يفيدها، أن اللهجات البربرية بهذا الوطن متعددة متباعدة، بحيث لا يفهم أهلها بعضهم عن بعض، وهبها أرضت بهذا الصنيِع واحدة فأين الأخريات؟ وأين المزابية والشاوبة (٢)؟ أم أنها ستخصّص لكل واحدة موجةً حتى ترضي الجميع؟


١) مَداشر: جمع "دَشْرَة" وهي القرية.
٢) المزابية والشاوية: لهجَتان بربريتان.

<<  <  ج: ص:  >  >>