للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن مزاجكم، أيّها الشيوخ، ومزاج الجمعيات شيئان متنافران وإنما تتفقون معها في واحدة هي أغيظ لكم مما نافرتموها فيه، وهي أنها مثلكم تأخذ من أتباعها ولا تعطيهم، ولا أثقل من اشتراكات الجمعية إلا طلعة جابيها على نفوس تعوّدت أن تجبى إليها ثمرات كل شيء.

هذه حالتكم التي نعرفها لكم ونعرفكم عليها فهل تتنزلون من علياء سماواتكم حين تدعون إلى الحضور في جمعية علماء السنّة فتستجيبون؟ وهل تخلعون رداء الكبرياء والأنانية فتتنازلون إلى المساواة مع بعضكم وإلى مساواة واحد منكم لأتباعه إذا قدّر لهم أن يتشرّفوا بالحضور معه خصوصًا إذا جاء وقت الانتخاب، وقيل فلان (الخوني) فاز وفلان "الشيخ" خاب، وهل توطّنون تلك النفوس المدللة، التي تعوّدت أن تأمر ولا تؤمر، وأن تقول ولا يقال لها، وأن لا تجاب إلا بـ "نعم سيدي" وتلك الآذان التي ألفت سماع (يا سيدي معروف دعوة الخير) وتلك الأيدي التي ألفت التقبيل- من المهد- على الفطام مما ألفت وتعوّدت؟ ومن العناء رياضة الهرم.

لهفي على تلك الأسماء التي كانت ترنّ في الآذان، وتنادى من (قاصي الأوطان) وتحدى بها الركبان، وتهينم بها الرهبان. وقد ذابت في اسم واحد وهو جمعية علماء السنة كما تذوب البدعة في الوهابية.

ولهفي على تلك الآراء التي كانت كأنها التنزيل تقابل بالوجوم والاطراق، ولا تعارض ولا تراجع، وقد صارت في هذه الجمعية السخيفة تعارض بقول سخيف: "ينظهر لي (٣) يا سي الشيخ رأيك هذا ما يصلحش بنا (راك غالط فيه، ويلزمك تسحبو) " ...

له الويل .. وبفيه الحجر ... وما معنى (يسحبو) .. وهل لم يجد من يقول له هذه الكلمة إلا لمن لم يتعوّد أن (يسحبوا) .. أولى لك يا ابن البربرية ولو غيرك قالها ... ولو في غير هذه الجمعية المسخوطة قلتها ... إذ لتناولتك الهراوي من يدي العربي والشاوي.

لا تظنّوا، أيها الفضلاء، أنني ساخر بكم، لا، وحقكم إنني لجاد، ولقد أخذني من الرقّة لكم في هذا المقام ما لم أعهده من نفسي، وأنفت لتلك الأسماء المشهورة أن تصبح في جمعية علماء السنّة مقبورة، وتلك الأوامر المطاعة، أن تصبح بين أمثال ذلك السخيف مضاعة، ولكنّكم أنزلتم أنفسكم بهذه المنزلة فسلوا من جرّكم لماذا جرّكم، أليفيدكم أم ليبيدكم؟

وإني لا أرجو منكم على هذه النصيحة أن تشكروني بلفظة ولا أن تنظروني بلحظة.


٣) أي يظهر لي ... يَبْدُو لي.

<<  <  ج: ص:  >  >>