للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبل أسابيع معدودة قام هذا الرجل التهامي الذي ليس من تهامة، ولا كرامة، بأخبث ما تقوم به أحط صنيعة استعمارية في أرض الله؛ وتسامى إلى مقام ينحطُّ عنه أمثاله من الآلات البشرية الرخيصة؛ وتطاول إلى أفُق من يتطاول إليه يجد له شهابًا رصدًا، وإننا لا ندري من أي حاليْه نعجب: أمن تطاوله ذاك، وأين السّمك من السمّاك؟ أم من مجيئه في مقام واحد بنقيضتين، تَلعَنُ إحداهما الأخرى؟ فقد أظهر نفسه في الأولى فاتكًا جريئًا، وفي الثانية ناسكًا بريئًا، فشهدت الثنتان بأنه آفِك مبطل في الثنتين.

أراد في الأولى أن يظلم الناس ولا يتظلَّموا، وأن تبسط يداه فيهم بالضر والشر ولا يتكلَّموا، وأن تكون آيةُ الحق منسوخةً لأجله، وتاج الأمة المغربية الماجدة موطئًا لرجله ... ويلُمّه مرةً أخرى! لقد جاء بها شنعاء صلعاء؛ ثمّ ماذا؟ وأن يكون لأولئك المستضعفين الذين أشقاهم القدر به وبحكمه وغشِّه وظلمه، كجهنم لمن حلّ فيها ... يستغيثون فلا يغاثون.

وأراد في الثانية أن يكون محاميًا للدين وظهيرًا ووليًّا ونصيرًا وكافلًا ومُجيرًا، وممن يريد أن يمنع المتظلمين؟

من مرجعهم الأسمى، وحماهم الأحمى، سلطانهم الشرعي "محمد بن يوسف".

وممن يريد أن يجير الدين؟

من مجيره ... بل من جاره المنيع الجناب، بل من ملجئه وعصمته، السلطان "محمد ابن يوسف".

ويلُمه مرة ثالثة! أمِن الدين الذي يدافع عنه أن يظلم الناس، ثم يحول بين فرائس ظلمه وضحايا عدوانه، وبين رفع ظلاماتهم إلى سلطانهم وسلطانه؟

أمن الدِّين الذي يدافع عنه ما سارت به الركبان من أعماله المنكرة وموبقاته المشتهرة؟

أمِنَ الدين، أن يكون عدوًّا لأنصار الدين، وظهيرًا لأعداء الدين؟

وما لنا نتشدّد مع الرجل كل هذا التشدّد، وما لنا لا نُعذر إليه، فنسأل أيّ دين يعني؟

فإن كان يعني دين محمد بن عبد الله، قلنا له ما قاله عمر لعقبة ابن أبي معيط:

حنَّ قَدَح ليس منها، وقلنا له: ليس الإسلام بعشِّك فادْرج، وليست دارُه بدارك فاخرجْ، وقلنا له: واضيعة الإسلام إن كنت أنت ناصره! وقلنا له: ما لك وللإسلام بعد أن تجرّدت من فضائله، وتعرّيت من آدابه، وقفزت حدوده. كأنها- عندك- درجات الامتحان ...

<<  <  ج: ص:  >  >>