للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويأبى لكم الله والإسلام أن تضيعوا لغة كتاب الله ولغة الإسلام. يأبى لكم الله إلّا أن ترجعوا إليها لا لتحيوها، بل لتحيوا بها الفضيلة الإسلامية في نفوسكم ولتحيوا بها الحياة التي يريدها الله منكم، فجمعيتكم- بعون الله وبفضل هممكم- تركب لهاتين الغايتين من الوسائل كل ممكن، فمن محاضرات ودروس عامّة إلى دروس خاصّة إلى تنشيط وإرشاد لهذين، وهي تعتمد في الإعانة على القيام بهذا العهد الذي قطعته على نفسها- بعد الله- على كل من يصله صوتها من أبناء هذه الأمة، وهي تعتقد أنها لا تستغني عن الإعانة من أنصارها مهما قلت، وأنها لا تستغني عن حنكة الشيب وتجاريبهم، ولا عن اعتدال الكهول وحكمتهم ولا عن نشاط الشبّان وفتوّتهم، وإن تكافل هذه القوى الثلاث سيخرج للأمة الجزائرية جيلًا مزودًا بالإسلام الصحيح وهدايته والبيان العربي وبلاغته، عارفًا بقيمة الحياة سبّاقًا في ميادينها متحليًا بالفضائل عزوفًا عن الرذائل، عارفًا بما له وما عليه واقفًا في مستقر الحقيقة الواقع، لا في ملعب الخيال الطائر.

أيها الإخوة الكرام،

ليس من معنى سعي جمعيتكم لهاتين الغايتين أنها تعرض عما سواهما، وأنها لا تقيم الوزن لهذه العلوم التي أصبحت وسائل للحياة أو هي الحياة نفسها- كما ظنه الظانون بهذه الجمعية، فظنوا بها ظنّ من لم يفهم شيئًا من حقيقتها- فهي تعمل للغايتين وتعمل لما وراء الغايتين من كل نافع مفيد لا ينافي كليات الإسلام وأصوله.

وإن في سماحة الإسلام الذي تدعو إليه، وفيما هو مقرّر في مقاصده من عدم التحجير على العقول أن تفكّر وعلى الأيدي أن تعمل، وعلى الأرجل أن تسعى، وعلى الألسن أن تتفتّق بكل مفيد، إن في كل ذلك لجوابًا للظانّين وردًا على ما ظنّوه.

هذه هي غاية الجمعية التي تسعى لها وتبذل كل عزيز في الوصول إليها- وسواء تبدّلت الإدارة أو بقيت، وسواء واجهها الدهر بالبشر والطلاقة أو بالتجهّم والعبوس، وسواء أحسنت العبارات تأدية معناها للناس أو لم تحسن، وسواء خفّت لهجات الناشرين لدعوتها أو اشتدّت- فتلك هي الغاية، وتلك الحالات كلّها إنما هي أعراض تسرع بالجمعية في الوصول إلى الكمال أو تُبطئ، ولكنها لا تخرجها عن مبدإ ولا تزحزحها عن جادته.

وإننا نبتهل إلى الله أن يقيّض لها في كل دور من أدوارها رجالًا مخلصين حكماء يستلمونها بيضاء نقية ويسلّمونها لمن بعدهم أشدّ ما تكون بياضًا وأشدّ ما تكون نقاءً، ويتلقّونها وهي أمانة وعهد فيؤدونها لمن بعدهم وهي أمانة وعهد.

وأن يمكن لهم من وسائل التيسير كل ما عجزنا عنه وأن يسدّد خطاهم في حملها، ويشدّد عزائمهم في الدفاع عنها، وأن يقوّي بصائرهم في تحمّلها وأدائها، فما هي بميثاق الفرد للفرد ولكنّها عهد الجيل للجيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>