للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن لم تفعلوا- ولن تفعلوا- فاعلموا أن أشنعَ ما يسخله التاريخ تألُّب أمم على أمة، وانتصار أقوياء لباطل، وإن أقبحَ ما تقع عليه العيون جانٍ يتجنّى وظالم يتظلّم.

...

ونرجع إلى عرب الشمال الافريقي ... إن عليهم لفلسطين حقًّا لا تسقطه المعاذير، ولا تقف في طريقه القوانين مهما جارت، ومهما كانت فرنسية من ماركة (١) "خصوصي للمستعمرات" هذا الحق هو الإمداد بالمال، ومن أعان بالمال فقد قام من الواجب بأثقل شطريه.

إن فلسطين ليست في حاجة إلى آرائنا، فلها من آراء مداره العرب ما هو كرؤية العين حسًّا، وكأخذ اليد لمسًا، وكفلق الصبح إشراقًا وكشفًا.

وليست في حاجة إلى رجالنا، فلها من أشبالها وممن والاهم عديد الحصى، وما فيهم إلا مَن يعتقد أن موته حياة لوطنه، وأن نقصه من عديد قومه زيادة فيهم، ومهما استمدّ الصهيونيون الرجال من أوروبا فأمدَّتهم بالأخلاط والأنباط والعباديد والرعاديد، من ربائب النعيم، وعشّاق الحياة، أمشاج النسب وأمساخ الحضارة، استمدّوا الجزيرة فأمدَّتهم بكل مصداق لقول القائلة:

ومخرَّق عنه القميص تخاله ... وسْط البيوت من الحياءِ سقيما

حتى إذا رفع اللواء رأيتَه ... تحت اللواء على الخميس زعيما

وبكل مصدق لقول الأول: "فأيَّ رجال بادية ترانا".

...

إن مما يرهب عدوّك ويحمله على احترامك، أن تكون عاقلًا حازمًا، وأن تكون فغالًا لا قوّالًا، وإن أوجب واجب علينا نحن العرب الذين ابتُلينا بالاستعمار ووُضعنا منه في هذا الوضع الشاذ، أن نلوذَ في مثل قضية فلسطين بالعقل يحمينا من المزالق، وبالحزم يحمينا من التقصير، وأن لا نقول إلا ما نستطيع فعله. وقد ارتفعت بعض الأصوات هنا وفي تونس تدعو الأمة العربية إلى غايات لا تملك وسائلها، وبدرت كلمات عاثرة لم يملها التدبُّر، ولم تقوِّمها الحكمة، فكانت نتيجتها الطبيعية احتقار خصومنا لنا واستخفافهم بنا وكأنَّه لم يكفنا اتهامهم لنا بأننا أمّة أقوال، واسترسال مع الخيال، وأن كلامنا جعجعة بلا طحن، حتى جئنا نضع في أيديهم الشاهد المحسوس على ذلك، ومن لي بعرب كالعرب، لا يقولون إلا ما يفعلون؟


١) ماركة: كلمة فرنسية معناها عَلامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>