للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها رؤوس الأموال؛ ووراء كل رأس مال رؤوس حيوانية تفكّر في الكيد، وأيدٍ حريرية تحمل القيد؛ وأرجل تسعى للاحتلال والاستغلال؛ وقد فُجعت صحراؤها في الدليل الذي كان يستاف أخلاف الطرق (١)، بالدليل الذي جاء يستشفّ (٢) أطباق الأرض، ويشتَفُّ (٣) ما فيها من سوائل؛ وأصبح ما في بطن الأرض من الكنوز السائلة والجامدة بلاءً وشقاءً لمن على ظهرها من أهل وسكان.

وهذه مصر كنانة السهام؛ أرض العبقرية وسماء الإلهام، وقبلة العرب ومحراب الإسلام؛ تدفع بقوّة إيمانها ألوهية فرعون جديد. وتدفع بيقظتها كيد شيطان مريد، بعد أن أنقذها الإسلام من تعبّد الفراعنة الأولين؛ وإن فرعون الجديد لعالٍ في الأرض- كأخيه- وإنه لمن المفسدين.

وهذا الشمال (٤) قد أصبح أهله كأصحاب الشِّمال، في سموم من الاستعمار وحميم وظل من يحموم، لا بارد ولا كريم، أفسد الاستعمار أخلاقهم، ووهّن عزائمهم، وفرّق بين أجزائهم لئلّا يجتمعوا، وقطع الصلة بينهم وبين ماضيهم لئلّا يدّكِروا، وضرب بينهم وبين العلم بسور ليس له باب؛ ومكّن فيهم للضعف والانحلال، بما زيّن لهم من سوء الأعمال؛ وبما غزا به نفوسهم وعواطفهم من أفكار ومغريات.

وهذه تركيا ذات السلف الصالح في رفع منارك، وإقامة شعارك، واقفةٌ على صراط أرقّ من السيف، واقعة بين دبّ عارم يترقّب الفرصة لازدرادها، وبين محتال بارع يمدّ الشباك لاصطيادها، ويطوي في العمل لتحريرها نية استعبادها، ويداويها من المرض الأحمر بالداء الأصفر.

وهذا الهند الإسلامي لا يكاد يظفر بالأمنية التي سلخ في انتظارها القرون، وبذل في تحصيلها الجهود، ويستعيد تراث الإسلام الذي أثّله المهلب والثقفي (٥) حتى تعاجله الدسائس والفتن، وحتى ليوشك أن يرجع إلى العبودية طائعًا مختارًا، فيسجّل على نفسه عار الدهر وخزي الأبد.

وهذه جزائر الهند الشرقية التي عرفتك مع الإسلام. والتقت بك في البيت الحرام، وكوّن منها عدل الدين واعتدال الزمان والمكان أمة كما تهوى الفطرة الكاملة، وتطلب


١) الاستياف شم الدليل لتراب الأرض ليعرف أين موقعه عند الضلال، ومن هذا الفعل أخذت كلمة المسافة.
٢) استشف الشيء صيّره شفافًا أو وجده كذلك بعد الاختبار.
٣) اشتف ما في الإناء إذا أتى على آخره فلم يترك منه شيئًا.
٤) يريد شمال افريقيا.
٥) محمد بن القاسم الثقفي فاتح السند لأوائل الدولة المروانية.

<<  <  ج: ص:  >  >>