للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من وحي العيد *

يا عيد: لو عدْتَ على قومي بالخفض والدّعة، أو جُدت عليهم باليُسر والسعة، لوَجدت مني اللسان الخافق بذكرك، والقلم الدافق بشكرك، ولكنك عُدت عليهم بنهار كاسف الشمس، ويوم شرّ من الأمس، فاذهب كما جئت، فلستُ منك، ظاعنًا ولا مقيمًا، وعُد كما شئت، فلست مني، حميدًا ولا ذميمًا.

...

يا عيد: لستَ بالنحس ولا بالسعيد، وإنما الناس لأعمالهم؛ سعد العاملون وشقي الخاملون، ولو أنصفناك لقلنا: إنك يوم كالأيام، من عام كالأعوام، وُلدتَ كما وُلدتْ هي من أبوين- الشمس والأرض- لم ينزع بك دونها عرق مختلف عنها، ولم تتميّز- لولا الدين والعرف- بشيء منها، فأنت مثلها غاد على قَدر، رائحٌ على قدَر، ومنّا- لا منك- الصفو والكدر؛ أو لقلنا: إنك معرَّس مدلجين، يعدِّلون بك المراحل، ومستراح ملجِّجين، يقدّرون بك دنوّ الساحل، فلو عمرنا أيام العام بالصالحات لكنت لنا ضابط الحساب، وحافظ الجراب، ثم لم تلتْنا من أعمالنا شيئًا، ولم تبخسنا من أزوادنا فتيلًا؛ ولكنّنا قصرنا وتمنّينا عليك الأماني، وتبادلت ألسنتُنا فيك أدعية لم تؤمِّن عليها القلوب، ثم ودعناك وانتظرنا إيابك، وأطلنا الغيبة واستبطأنا غيابك.


* نُشرت في العدد ١٦٣ من جريدة «البصائر»، ١٦ جويلية سنة ١٩٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>