للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العلم، وصدق الشعور، وحيوية الإحساس، ويمسح عنها صدأ الإهمال، ويتناولها بآلات جديدة لم يفسدها الترك والاطراح، ولم يثلمها التقليد كما ثلمها في عقول آبائه وأرواحهم.

هذه هي النقطة التي يجب أن تبدأ منها أعمال المصلحين من حماة الإسلام، وتلتقي عليها جهودهم، وإلا فإنهم يضربون في حديد بارد، فإن كانوا فاعلين فليبدأوا العمل في ميدانين: في البيت الذي هو معمل التكوين، وفي المدرسة التي هي معمل التلوين، وليتعاهدوا البيت بالتطهير وتقوية التربية الدينية في من يلي تربية هذا الجيل من آباء وأمهات، وليحملوا القائمين على هذه المدارس التي يضطرب فيها الجيل على إقرار الدين فيها علمًا وعملًا إلى جانب الدنيا.

هذا هو الجهاد الأكبر الذي لا يعذر المصلحون في العالم الإسلامي في التخلف عن ميدانه، وهو في حقيقته وواقعه معركة بين الإيمان والكفر على شبابنا، فمن ظفر فيها غنمه، وبوادر هذه المعركة تدلّ على أن النصر ليس في جانبنا، ولئن لم نستعدّ للجولة الثانية، إنا إذًا لخاسرون، والجولة الأخيرة ستبتدئ من الصبية قبل الشبيبة، فعلى المصلحين أن يبادروا بتلقيحهم "بالمصل الواقي" وما هو إلا التربية الإسلامية الصحيحة الكاملة، فإن المحافظة على الأرواح ليست أقل شأنًا من المحافظة على الأبدان، وأن يصرفوا عنايتهم واهتمامهم كله إلى هذه الناحية، ولا يتشاغلوا بالآباء ووعظهم فإن هذا عمل لا غناء فيه في مسألتنا، وحسبهم من هذه الطبقات- التي جفّت على عوج، وانطمست فيها آية الفطرة- إصلاح يمنع انتشار العدوى، ويحول دون استشراء الداء، ودون تعطيل الإصلاح.

...

والعجب من ملوك الإسلام وكبراء الشرق، أنهم لا يلتفتون إلى هذه الناحية بل يتركون الشبان تتخطفهم ذئاب الآراء ونسور العقول، ويلهون أنفسهم بهذه الطوائف المدبرة، يهتمون بها ترغيبًا للمصلحة، أو ترهيبًا لدفع المفسدة، فأما العضو الحي الذي سيحمل الأمانة غدًا، ويضطلع بالدولة، ويقود المسلمين إما إلى جنة وإما إلى نار، فإنهم لا يلقون له بالًا، ولو اعتنوا به وأحاطوه بالرعاية لعاشوا به سعداء راضين مطمئنين، وماتوا قبله آمنين على هذه الأمانة.

...

ويح المسلمين! يولد مولودهم، فإما أن يهمل ولا يعلم- وهذا هو الأكثر- فيستقبل الحياة بلا دين ولا دنيا، وإما أن يعلم هذا التعليم الشائع فيجمد وتخمد فيه جذوة الإسلام،

<<  <  ج: ص:  >  >>