للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- ٣ * -

____

[مشكلة اللغة]

____

في الهند، لغات كثيرة لعلها تبلغ المائة، والمبالغون ينتهون بها إلى المئات، وهم مخطئون، وأغلبية الهنادك كانت تصطنع اللغة الهندية، وهي تستمد معظم ألفاظها من السنسكريتية القديمة، وتستعين بشيء من الفارسية وغيرها من اللغات الشرقية، ثم خالطها شيء من الأوردية والإنكليزية، ولكنهم بعد الانفصال أخذوا ببدعة "التطهير"، تطهير لغتهم من الدخيل، وإحياء السنسكريتية الميتة للاقتصار عليها، هذه البدعة التي طاف طائفها ببعض الأمم الشرقية كالأتراك الكماليين، فلم تدلّ على قوّة، بل دلّت على ضعف، لأن لغاتهم الأصلية التي يريدون إحياءها لا تقوم بالحياة العصرية، فيضطرون إلى الأخذ عن اللغات الأوربية لا محالة، فيرقعون قديمهم بغريب، وقريبهم ببعيد، فهم إنما يطهرون لغتهم من لغة إخوانهم، فيزداد الشرقي من أخيه بعدًا، ومن الأجنبي قربًا، ويبقى الأجنبي مستعبدًا لهما معًا، وإن هذه لإحدى المعاني الجديدة التي وسوس بها الغرب في صدور الشرقيين، وزيّنها لهم.

وأغلبية المسلمين في الهند اليوم تصطنع اللغة الأوردية، نسبة إلى الأوردو، لفظة تركمانية مغولية معناها الجيش، وهي لغة حديثة، تكوّنت بين الجيوش المغولية الفاتحة من لغاتهم الأصلية أو من لغات الإسلام الشائعة إذ ذاك، وهي العربية لغة الدين والأدب، والفارسية لغة الفن والرقّة، والتركمانية لغة الجندية والحرب، وكان مبدأ تكوّنها في مناطق مخصوصة من مقاطعات يوبي ولكنو، ثم توسّعت وعمّت، ولم تكن في أول أمرها لغة الملوك والطبقات الراقية، ولا لغة العلم والأدب، بل كان الشأن الأكبر في عنفوان الدولة المغولية وعظمتها للعربية والفارسية، ولكنها تطوّرت تطوّرًا سريعًا، وانتشرت انتشارًا واسعًا في أخريات تلك الدولة حتى أصبحت لغة الدين والأدب والسياسة، ففسّر بها القرآن والحديث، وكتب بها الفقه والتاريخ، ثم أخذت حظها من الأدب والفلسفة، ونظم بها الشعر في المواضيع


* «البصائر»، العدد ١٩٨، السنة الخامسة من السلسلة الثانية، ٤ أوت ١٩٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>