للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان الجو في يوم السفر حارًّا كعادته وزادته رمال "السند" السافية حرارة وشدّة، فلما جاوزنا إقليم السند بعد نحو سبع ساعات قابلتنا أتربة إقليم "الملتان" فلما جاوزناها واجهتنا أتربة إقليم "البنجاب" ولقينا في يومنا وليلتنا العناء من هذه السوافي التي ليست من صنع الريح، وإنما تثيرها سرعة القطار، وليست سرعة القطار إلا السرعة المعتادة عندنا أو أقلّ، ولكن تهيُّل هذه الأتربة وخفّتها بسبب الحرّ هي التي سهّلت اثارتها بأدنى محرّك، بدليل سكونها في آخر الليل حينما بردت فثقلت، ولا دواء لهذه العلّة إلا تشجير هذه السهول الواسعة بالغابات المثمرة وغير المثمرة وبالبقول والبرسيم، والإلحاح عليها بماء السقي حتى تسكن وتستقرّ، ثم زرع نبات "النجم" على حفافي السكة، فلا يقهر هذه الأتربة غيره، وليست هذه العميلة الأخيرة بالشيء العسير، ولقد رأينا هذا النبات (وهو النجم) مزروعًا في حدائق كراتشي العامة، وفي حدائق القصور الخاصة فرأيناه مستحلسًا كعادته يجمل الأرض بخضرته وتناسبه، ويمسك التراب أن يثور.

مررنا بحيدر أباد، وبهاولبور، ولاهور، ولم نقف فيها إلا بمقدار ما وقف القطار، لأن غايتنا كشمير، أما هذه المدن فهي في آخر البرنامج.

ومررنا ببعض أودية البنجاب العظيمة النابعة من سفوح جبال كشمير، وسنتحدّث عنها وعن هذه المدن في محلّها من هذه الحلقات.

وصلنا إلى راولبندي على الساعة الثالثة بعد ظهر يوم الأربعاء سادس عشر أفريل، فنكون قد قطعنا المسافة في ثلاث وثلاثين ساعة متتابعة لم يتخلّلها نزول ولا راحة، وقطعنا فيها باكستان طولًا إلى قرب حدود الهند من الشمال الشرقي، وكنا محاذين لحدوده الجنوبية على طول الطريق نقرب منها ونبعد عنها بنسب متقاربة، ولقد كانت السكة الحديدية متصلة بالهند من عدّة جهات، ولكنها انفصلت مع الانفصال، فضاعت بذلك فوائد اقتصادية عظيمة على الوطنين.

قطعنا ألفًا وخمسمائة كيلومتر في سهل واحد ليس فيه جبال ولا روابٍ إلى مدى ما تنتهي إليه العين، ومما يؤسف له أن هذه السهول كلها خصبة التربة وتشقّها أنهار البنجاب العظيمة وترعها المنفصلة عنها، وكل ترعة تكون نهرًا عظيمًا، ومع ذلك كله ... فإن المساحات الواسعة منها ما زالت بورًا، والحقول القليلة المزروعة قمحًا أو قصب سكر أو برسيمًا تظهر فيه كالنقط، وكيفية الفلح ما زالت بدائية عتيقة تعتمد على الجاموس في الحرث والنقل والدِّرَاس، ومع ضعف الفلاحة وقدم أساليبها فإن إقليم البنجاب ينتج مقادير عظيمة من القمح والأرزّ تزيد كثيرًا على الاستهلاك المحلّي، وقد رأيناهم يحصدون القمح في أواسط أفريل، فهم سابقون حتى لإقليم بسكرة عندنا، فلو ترقت الفلاحة عندهم وانتظمت

<<  <  ج: ص:  >  >>