للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن الدرجات عند الله تقابلها درجات عند الحكومة، وأنه لا تنافي بينهما، وأن خدمة المرء لوطنه هي خدمة لدينه أرفع من كل خدمة.

إن إصلاح هذه الطائفة وتبديل عقليتها أنفع بكثير من تركها على هذه الحالة، وإذا تمّ هذا العمل على هذا الأساس، وسايره التعليم الديني الصحيح، تكون الحكومة قد أمّنت الحاضر بهؤلاء الكبار، وأمّنت المستقبل بذلك الجيل المتعلّم، ووضعت يدها على الفريقين، وسيكون الجيل الجديد المتعلم أفقه لحقائق الدين وبموافقتها التامة للمصالح الدنيوية العامة، فيرتفع هذا التصادم الصوري الماثل في أذهان الجيل القديم، ويرتفع هذا التنافر بين عقلية الآباء وعقلية الأبناء، وما عطّل رقيّ الأمم الإسلامية الحاضرة إلّا هذا التنافر.

خامسًا: تنظيم برنامج للوعظ الديني على أساس صحيح واسع، وطريقة فنية تقتبس من حقائق الدين وحقائق النفس وسنن الله الواقعة في كونه، وتمتزج فيها روحانية الدين بأرواح البشر، فتؤثّر فيها وتقودها إلى الخير، لا على هذه الطريقة الموجودة اليوم في المساجد في أيام الجمع، فإنها ترغيب لا يرغب، وترهيب لا يرهب، وإنما هو كلام معتاد يتركه السامعون في الجامع إذا خرجوا من الجامع، بدليل أن هذه المواعظ لم تبدل حالة العامة ولم يظهر عليهم منها أثر، فهم في كل جمعة يسمعون التحذير من الخمر مثلا والخمر لا تزداد إلّا فشوًّا، ومن الكذب وهو لا يزداد إلّا كثرة، وأكبر الأسباب في فشل الوعظ الديني بصورته الحاضرة أنه لا يصدر عن تأثر من قائله، وإنما تعوّد قائلوه أن يقولوه قولًا من غير حكمة، وتعوّد سامعوه أن يسمعوه حُكمًا من غير حكمة، والوعظ كالطعام يقدّم ألوانًا وبقدر الحاجة، ولا يؤثر في السامعين إلّا إذا كان خطابًا من القلب إلى القلب، ومن الروح إلى الروح، وكان الشيء المأمور به أو المنهي عنه مقرونًا ببيان آثاره وحكمه، فإذا كان تحذيرًا من الخمر قُرن ببيان آثاره من إتلاف المال وإذهاب العقل الذي هو سرّ الكرامة الإنسانية، وقضائه على الصحّة، وجلبه للخصام وتكديره للحياة الزوجية، وانتقال آثاره بالعدوى إلى الذرية، وهوان صاحبه على نفسه وعلى الناس.

والواجب على الوزارة إدخال الوعظ في مناهج التعليم الديني وتمرين الطلّاب عليه من الصغر، حتى تخرج بعد أعوام طبقة عالمة بكيفية الوعظ وشروطه قادرة على تأديته على أكمل صوره.

والواجب أن توزّع الوعّاظ على الأقاليم، وتأمرهم بأن لا يقتصروا على المسائل الدينية فقط، بل يتناولون المسائل الدنيوية التي يعمر بها الوطن وتسعد بها الأمة والحكومة، مثل التحريض على العمل، والتنفير من البطالة والكسل، ومثل تحبيب الفلاحة والتجارة والقراءة، ومثل الأخوة والاتحاد والتعاون على الحق، ومثل إصلاح العائلة التي هي أساس الأمة، ومثل تحسين العلاقة بين الغني والفقير، ومثل الطاعة للحكومة في المعروف.

<<  <  ج: ص:  >  >>