للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في أول سنة ١٩٢٠ رجعت إلى الجزائر، رغم إلحاح الملك فيصل على بقائي بالشرق ورجوعي إلى المدينة المنوّرة لتولّي إدارة المعارف بها. ولدى عودتي وجدت النهضة التعليمية قد بدأت أصولها على يد الإمام عبد الحميد بن باديس العالم المفكر الذي لم ينبت الشمال الأفريقي مثله إلى اليوم. فاتصلنا على التفكير والعمل لخير الإسلام في الجزائر، وبدأ عدد المفكرين يكثر في هذا السبيل والفكرة تنتشر وتلامذة الإمام ابن باديس يتزايد عددهم ويتدربون على الخطابة والاستدلال إلى أن جاءت سنة ١٩٣١ وهي السنة الموالية للاحتفال بمئة سنة للاستعمار الفرنسي. وفيها تأسست جمعية العلماء الجزائريين تأسيسًا رسميًا قانونيًا وشرعت في أعمالها الأولية وهي محاربة الآفات الاجتماعية التي أفسدت المجتمع الإسلامي كالخمر والميسر والزنا، بواسطة الدروس الوعظية في المساجد، فأحسّت الحكومة بأن هذه الدروس تفسد عليها خطتها في إفساد العقول بالخمر وإتلاف الأموال بالميسر. فاستصدرت قرارًا بمنع العلماء الأحرار من التدريس بالمساجد لأنهم مشوّشون، ورأت جمعية العلماء أن الأمة هي محل النزاع بينها وبين الحكومة، فالحكومة تريد أن تتركها جاهلة فقيرة، والجمعية تريد تعليمها وإرشادها إلى سواء الصراط في الدين والدنيا، فصمّمت على مواصلة سيرها ومضاعفة عملها في الاتصال بالأمة فانتقلت من المساجد إلى الأسواق والقرى والبوادي، ثم إلى الشوارع والبيوت ودور السينما والمقاهي. وقلنا للأمة منعتنا الحكومة من الاجتماع بك في بيوت الله فلنتصل بك في كل شبر من أرض الله. وتقدمت الكتائب الأولى وما منهم إلا الخطيب المفوّه والواعظ المؤثر فاتصلت بالأمة وحرّكت أوتار النفوس وغزت مكامن العقائد وأفضت إلى مستقرّ اليقين فاجتثت الباطل من العقائد والتأثرات والأخلاق والتصوّرات وغرست فيها الحق من ذلك كله. وهذه أولى مراحل النجاح في عمل الجمعية.

<<  <  ج: ص:  >  >>