للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أمهات أعمال جمعية العلماء]

____

أولًا- مقاومة الأمية:

صنعت جمعية العلماء في هذا الميدان ما لم تصنعه الحكومات. والأمية هي شلل الأمم، وتفشّيها في الأمة الجزائرية هو الذي أقعدها عن مجاراة الأحياء في الحياة، وهو أقوى الأسباب التي مكّنت للاستعمار، فكأنه اتّفق معها على أن يخدمها لتخدمه فوفى ووفت.

حاربت جمعية العلماء هذا الداء الوبيل الذي يقتل الفكر والضمير، ويقضي على العقل والروح، ويطفئ المواهب، ويخدر المشاعر، ويضعف الاستعداد، وشدّدت العزائم على حربه، وفتحت دروسًا ليلية للكبار لا تزاحم البرامج المقررة، وعمّمت تلك الدروس بالتدرّج في نواديها وكثير من مدارسها، وجنّدت لهذا الميدان مئات من معلّميها، وراجت هذه الدروس واشتدّ إقبال الأميين عليها حتى بلغوا في بعض الأحيان عشرات الآلاف، فيما بين سنتي ١٩٣٧ و ١٩٣٩، ولم تمضِ سنتان حتى أصبح الكثير منهم يقرأ قراءة صحيحة ويكتب كتابة صحيحة، وكأنهم عميان تفتّحت عيونهم على النور وسمت همم بعضهم إلى المزيد فبلغوا درجات لا بأس بها وأغرتهم الكتابة على الحفظ فحفظ بعضهم أجزاء من القرآن، وتشوّقوا إلى الفهم فأصبحوا يفهمون كثيرًا من حقائق الدين القريبة، ومعاني الحياة البسيطة، والتسلسل المجمل للتاريخ الإسلامي، وإن هذا الربح عظيم لأصحابه وللمجتمع، ولقد رأينا بأعيننا من معجزات العزيمة أن أميًّا مسنًا أصبح معلّمًا، معلّمًا للأميين وإمامًا لهم يدينون له بالاحترام، وكانت هذه البوادر من النجاح دعاية قوية للتعليم، ونصيرًا عامًا لتحطيم الأمية وتهجينها فزاد الناس إقبالًا على تعليم أولادهم، يرون ذلك كفّارة عمّا كان لهم من الجزء الاختياري في جريمة الأمية، وما جاءت سنة ١٩٤٣ حتى تجلّت آثار هذا التفكير واغتنمتها الجمعية فأسّست في سنة واحدة سبعين مدرسة في أنحاء القطر.

ثانيًا- المحاضرات الدينية والاجتماعية:

بدأت الجمعية أعمالها في التعليم العام بالمحاضرات العامة في المساجد والنوادي والقاعات العمومية والميادين الجامعة والأسواق، فكلّفت طائفة من رجالها الكفاة في العلم والبيان بالطواف في مدن القطر وقراه وسهوله وجباله، يزرعون الحماس بواسطة هذه المحاضرات، ويبيّنون الحقائق، ويثبّتون العزائم، ويحرّكون الهمم، ويضربون الأمثال، ويربطون للأمة حاضرها بماضيها، ويذكرونها بما نسيته من أمجاد سلفها، ويهيّئونها لنهضة

<<  <  ج: ص:  >  >>