للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متى يبلغ البنيان *

كان العقلاء منّا يظنّون أن المؤتمر الإسلامي الأخير الذي انعقد بالقدس في ٣ ديسمبر ١٩٥٣ لبحث قضية فلسطين نجاد الساعين بالرأي والنفوذ والمال لتحريرها ولإيقاظ الشعور الإسلامي والعربي فيها من جديد، كانوا يظنون أنه سيكون أقوى المؤتمرات الإسلامية التي سبقته في هذه القضية وغيرها، لا لأنه متعلّق بقضية لها في قلب كل مسلم جرح، ولها في قلب كل مسلم غمة، ولها في ضمير كل عربي وخزة، ولها في وجهه وسمة عار ولها في عرضه وصمة نبز، لا لذلك فإننا معشر العرب بمواقفنا في قضية فلسطين وسكوتنا على حكوماتنا المتخاذلة في قضيتها ومُمَالَأَةِ بعضنا لليهود إلى الآن بالتهريب والتجسس، بذلك كله أقمنا الدليل الذي لا يكذب على أننا لم نرث من قبيلة امرئ القيس التي هي إحدى أصولنا إلا الخلق الذي مدحها به الشاعر إذ قال:

فأمْثُلُ أخلاق امرئ القيس أنها ... صلاب على طول الهوان جلودها

كلا ما كان هذا هو الذي يطمع العقلاء في أن يكون لهذا المؤتمر شأن وقيمة غير شأن وقيمة المؤتمرات القديمة، ولكن الذي يطمعهم في ذلك خصال أخرى من أنه جاء بعد تجلّي جميع الحقائق، وبعد تصفية الحساب الذي ظهرت فيه خسارة العرب والمسلمين، وبعد أن صدق المفتري، وافتضح المجتري، وبعد أن أيقن كل شاك أن دويلة كانت لا تعد في الأرض غلبت ست دول، وإن زهاء مليون عربي نبتوا في فلسطين كتينها وزيتونها اقتلعتهم شراذم اليهود بأيسر محاولة، فأخرجوهم من ديارهم وذادتهم كالأغنام الضالة عن المدن والأرياف إلى حواشي الصحراء، وأستغفر الله ألف مرة من قولي "أخرجهم اليهود"، فإن


* مجلة "الأخوة الإسلامية"، العدد الحادي عشر، السنة الثانية، بغداد، ١٧ شوّال ١٣٧٣هـ الموافق لـ ١٨ جوان ١٩٥٤م.

<<  <  ج: ص:  >  >>