للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقوام، واستقل بتسيير سفينته فكان الربان الماهر وأقام على مبادئ أستاذه وفيًا لها وله، فتمادى على إصدار التفسير على منهاج الإمام من حيث وقف الإمام، وجمع تاريخ حياة الإمام فكان أضخم عمل استقل به فرد، وليس تاريخ الأستاذ الإمام بالأمر الهين الذي يقوم به فرد، لو لم يكن ذلك الفرد (رشيدًا).

كان أكمل آثار الشيخ رشيد في حياة الإمام إنشاء مجلة المنار، وأنفس ذخر علمي اشتملت عليه هو دروس الإمام في التفسير التي هي النواة الأولى لتفسير المنار. وتلك الفتاوى الجليلة التي كان ينشرها في أمهات العقائد والأحكام على ذلك النحو العجيب من الاستقلال في الاستدلال.

ولعمري، لو أن رشيدًا قصر كما قصر غيره ولم يجمع خلاصات دروس الإمام، لأضاع على العالم الإسلامي كنزًا علميًا لا يُقوّم بمال الدنيا.

بارك الله في أوقات الأستاذ رشيد، فاستمر بعد موت الإمام على إصدار المنار واتسق أفق انتشاره في الأقطار الإسلامية وكثر قراؤه- أو تلامذته كما كان يقول رحمه الله- وأحدث، حتى في أصلبها عودًا وأشدها جمودًا، انقلابًا فكريًا في فهم الدين وصلته بالدنيا، وألف المؤلفات الكثيرة، ونشر من مؤلفات المصلحين من القدماء ما زاد به الإصلاح الحاضر تمكينًا ورسوخًا، فكانت تلك المؤلفات غذاء صالحًا للنهضة العلمية، وساهم في الإصلاح العلمي والإصلاح السياسي لقومه، وبني وطنه، وإن كانت بعض آرائه في هذا الأخير لا تخلو من الشذوذ.

وكان طول حياته بلاء مسلطًا على طاثفتين: دعاة التدجيل من المسلمين ودعاة النصرانية من المسيحيين. فلم نعرف في التاريخ من فضح الطائفتين شر فضيحة غير الأستاذ السيد رشيد.

وإن أزهر الصحائف في سجل حياته هي تلك المواقف العاتية التي كان يقفها في الدفاع عن الإسلام ونصره، ورد عوادي الكفر والضلال عنه.

وعاش ما عاش مرهوب شباة اللسان مرهوب شباة القلم، إلى أن لحق بربه راضيًا مرضيًا في هذا العام. فشعر العالم الإسلامي بأن خسارته فيه لا تعوض.

وان من واجب الوفاء والاعتراف بالفضل لأهله، أن نجري ذكره بما يتسع له المقام في هذه النشرة الإصلاحية التي تمت إلى أعماله ومبادئه بالنسب العريق، وتتصل إلى علومه ومعارفه الواسعة بالسبب الوثيق. وقد فعلنا. ولكن أين تقع هذه الجمل مما يوجبه الوفاء لرجل، هو في بناء الاصلاح الركن والدعامة، وفي هيكل الإصلاح الرأس والهامة؟ وعسى أن تساعد الأقدار فنوفيه بعض حقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>