للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليكون دستورًا للمستقبل وبلاغًا عامًا للطلبة وأوليائهم ومعلّميهم، وزيادة في الاستبصار وقطعًا للألسنة التي تسدي في الباطل وتلحم وقمعًا للنزعات العاطفية التي تغشى القضية.

...

والكلمة الأخيرة من هذا الفصل الطويل أوجّهها إلى أولياء التلامذة المفصولين، لأنني أعلم أن فصل أبنائهم سيقع منهم موقعًا سيئًا وأعلم من تربيتنا العامة أننا ما زلنا نُحكّم العواطف الدنيا حتى في المقاصد العليا، وتعمينا عن النظر إلى المصلحة العامة.

فليعلموا- أرشدهم الله- أن هؤلاء المفصولين هم أبناء الأمة لا أبناؤهم، وقد فارقوهم يوم اختاروا لهم هذا المسلك، فكأنهم حكموا عليهم "بالتأميم" وأسلموهم إلى أيدٍ أمينة تتعب ليستريح الآباء والأبناء، وتسهر ليناموا جميعًا، وتقضي بالنظر البعيد على أنظارهم القصيرة، وتزنهم ضررًا ونفعًا بميزان المجتمع لا بميزان الفرد، فالمجتمع هو الذي يتلقّى خيرهم أو شرّهم يوم يرجعون إليه، وما الآباء إلا جزء من الشعب يجب أن يذوّب مصلحته الشخصية في مصلحة مجتمعه، فالمجتمع أولى بهؤلاء الأبناء، ومحال أن يرضى مجتمع صالح بمن يشوّه سمعته أو يلوّث شرفه، فإذا رضيت لهؤلاء الأولياء مذهب الأنانية، فهل يرضون مني أن ينقلب إليهم أبناؤهم ملاحدة أو فجّارًا أو فسقة أو حملة أفكار هدّامة للدين والدنيا؟ إنهم سيحملونني تبعة التفريط الذي أدّى إلى ذلك، وسيحاسبونني حسابًا عسيرًا أنا حقيق به، زيادة على حساب الله وتسجيل التاريخ.

وليعلم هؤلاء الأولياء- كتبهم الله في أوليائه- أني أرحم منهم بأبنائهم وأكثر شفقة عليهم من الأم على ولدها، ولكنني أنظر منهم إلى غير ما ينظرون، ومن الرحمة بهم وبأوليائهم وبالأمة أنني فصلتهم فأحسنت إلى الجميع، والغصن الأعوج الذي لا يقوّمه الثقاف يقومه الفصل من الشجرة.

وإن في الأقطار العربية إخوانًا لنا في الصلاح والإصلاح يفرحون لفرحنا ويستاءون لمساءتنا ويغضبون لسمعة الجزائر أن تشوّه من قريب أو من غريب، وقد اعتمدت في كل قطر عربي لنا فيه بعثة طائفة من هؤلاء الإخوان يتعاهدون أبناءنا ويرشدونهم إلى التي هي أقوم ويراقبونهم في السر والعلن، احتياطًا مني لدفع الشرور المتربّصة بأبنائنا، وأعطيتهم من الحق أن يأمروا وينهوا وأن يشيروا علي فأنفّذ إشارتهم مشكورين، فالواجب على أفراد بعثاتنا السابقة واللاحقة أن ينزلوا هؤلاء الإخوان الأفاضل منزلة المسيّرين للجمعية وأن يحترموهم احترامًا قلبيًا وأن يعتبروهم أساتذتهم الحقيقيين، وأن يقفوا عند أمرهم ونهيهم فيما يرجع إلى التديّن والتخلّق وحسن السلوك، ويعلموا أن جمعية العلماء ذات مبدإٍ جليل، فالأقربون إليها

<<  <  ج: ص:  >  >>