للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن الأسرة هي أساس الأمة، فإذا صحّ بناء الأسرة صحّ بناء الأمة، والعكس بالعكس، ونحن لا نعلم دينًا سماويًا ولا قانونًا وضعيًا بنى الأسرة على صخرة ثابتة، مثل الدين الإسلامي، ولكن أهله- هداهم الله- فرطوا في التليد، ثم أفرطوا في التقليد، فكانت عاقبة أمرهم خسرًا، ولو أنهم عادوا إلى الله وإلى تعاليم دينه لعادت عليهم عوائد بره ورحمته.

ويزيد السر في هذه الحملات القلمية على الإسلام انكشافًا واتضاحًا أن هؤلاء القوم ينقمون من الإسلام كدين أنه زكّى نفوس أبنائه حتى حقّقوا المثل العليا للإنسانية، وهؤلاء القوم يحاولون أن لا يسجّل التاريخ مثلًا أعلى للإنسانية غيرهم، وأنّى يكونون كذلك والمثل العليا لا تتحقق إلا بالعنصر الروحي وهم مفلسون منه، وينقمون منه كنظام اجتماعي سياسي انه ساد نصف المعمورة قرونًا، فهم يخشون أن تتهيّأ له الوسائل فتعود له تلك السيادة كرة أخرى، لذلك نجدهم يكتبون عنه كتابة الحاقد الموتور، فلا يبالون بحقيقة تاريخية يشوّهونها، ولا بحق ثابت ينكرونه، ولا بحسنة بارزة يطمسونها، وأعانهم على ذلك سوء حال المسلمين في القرون الأخيرة، وانحلال عرى جامعتهم، وانحطاط مستوى تربيتهم، واستغراق جمهرة فقهائهم في التقليد للأشخاص والعادات، تقليدًا يكاد يكون تأليهًا، وهجرهم للينابيع الصافية لشريعتهم، وانقطاع الصلة الوثيقة بينهم وبين سلفهم وهي التاريخ المتسلسل، وجهلهم بكل ما يدور حولهم، وهل أتاك أن كثيرًا من فقهائنا لا يعلمون شيئًا عن هذه المطاعن الموجّهة للإسلام، ولو علموا لما استطاعوا لها دفعًا، وأنى يعلمون وهم غير متصلين بزمنهم؟

إن لميدان الكلام والأقلام رجالًا، وان لميدان الصدام والحسام رجالًا، وقد خلا الميدانان منا، فلا نلم المتطاول علينا بقلمه أو بسيفه، ولْنلمْ أنفسنا، فالدهر دول والضعفاء للأقوياء خول.

على أننا لا ننكر أن في أولئك الباحثين نفرًا يتحرّون الحقائق، ويتّسمون بسمات العلماء من الإنصاف والتمحيص وخدمة العلم لذات العلم، وقد انتهى البحث بهؤلاء إلى الاعتراف بمحاسن الإسلام دينًا ونظامًا اجتماعيًا تحوطه أحكام عادلة حكيمة، وإلى الاعتراف بمعجزات القرآن في العلوم الكونية، ولكن هذه الفئة قليلة وليس في قدرتنا أن نحجر على الباحثين والكاتبين أن يكتبوا في أحوالنا، وأقلّ الواجب أن نرد الفرية، وأن نكشف المرية، وأن نحمد لمن ينتقدنا بانصاف ولمن ينبّهنا على عيوبنا.

ونعود إلى موضوعنا وهو "الرق في الإسلام".

تحرّرت أمريكا من استعمار أوربا لها، والاستعمار استعباد، وتحرّرت بعد ذلك دول أوربا من استبداد ملوكها، والاستبداد استعباد، وتحرّر كثير منهم من طغيان الكنيسة وهو

<<  <  ج: ص:  >  >>