للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استقلالًا تشريفًا لها، وإبرازًا لشخصيتها، ولم يجعل للرجل عليها سبيلًا في كل ما يرجع إلى دينها وفضائلها، وراعى ضعفها البدني بالنسبة للرجل، فأراحها من التكاليف المادية في مراحل حياتها الثلاث، من يوم تولد إلى يوم تموت، بنتًا وزوجًا وأمًا، فأوجب على أبيها الإنفاق عليها وتأديبها ما دامت في حجره إلى أن تتزوّج، وهذا حق تنفرد به البنت على الابن الذي يسقط الإنفاق عليه ببلوغه قادرًا على الكسب، فإذا تزوّجت انتقل كل ما لها من حق أدبي أو مادي من ذمة الأب إلى ذمة الزوج، فتأخذ منه الصداق فريضة لازمة، ونحلة مسوّغة وتستحق عليه نفقتها ونفقة أولادها منه بالمعروف، فإذا خلت من الزوج ولها أولاد مكتسبون وجبت الحقوق على أولادها، ولا تنفق شيئًا من مالها إلا باختيارها، ووصايا القرآن والسنّة وأحكامها في بر الأمهات معروفة، وهي أظهر من الشمس، فالإسلام أعطى المرأة وأولادها من الإعزاز والتكريم ما لم يعطها إياه دين آخر ولا قانون وضعي وأعطاها حق التصرّف في أموالها، وحق التملّك من دون أن يجعل للزوج عليها من سبيل، وأحاطها بالقلوب الرحيمة المتنوّعة النوازع، المتلوّنة العواطف: قلب الأب وما يحمل من حنان، إلى قلب الزوج وما يحمل من حب، إلى قلب الولد وما يحمل من بر ورحمة، فهي لا تزال تنتقل من حضن كرامة وبر إلى حضن كرامة وبر، إلى أن تفارق الدنيا، وبين المهد واللحد تتبوّأ المراتب الكاملة في الانسانية.

نرى من هذه المعاملة الصريحة للمرأة في الإسلام أنه سلّحها بأحكام قطعية، وحماها بتشريع سماوي عادل ولم يكلها إلى طبائع الآباء الذين يلينون ويقسون، ولا إلى أهواء الأزواج الذين يرضون ويغضبون، ولا إلى نزعات الأبناء الذين يبرّون ويعقون، وإنما هي أحكام إلهية واجبة التنفيذ، لا تدور مع الأهواء والعواطف والنزعات وجودًا وعدمًا.

ولا ينقض علينا هذه الأصول شذاذ العصور المتجاوزون لحدود الله الخارجون عن الفطرة الصحيحة كمسلمي زماننا الذين منعوا المرأة المسلمة كل أو جل حقوقها، وحسب هؤلاء أنهم ظلموا أنفسهم قبل أن يظلموا المرأة، وأنهم هدموها فهدمتهم عن غير قصد، في أبنائهم، وأفسدوا كونها، فحرموا عونها.

وفي موضوع "المرأة في الإسلام" يتدخّل علماء الغرب ملاحدة ومتألهين، ويتعاطون ما لا يحسنون من القول في هذا الموضوع. ويجعلون منه ذريعة للنيل من الإسلام، ولقد ناظرنا جماعة منهم في الموضوع فأفحمناهم وألقمناهم حجرًا، قلنا لهم: هاتوا مثالًا نتناقش فيه، فقالوا: الميراث، قلنا: من أي جهة؟ فإن المرأة ترث بعدة أسباب، فنظر بعضهم إلى بعض، هل يراكم من أحد، وكادوا يتسلّلون، وكأنهم كانوا لا يعرفون إلا أن المرأة مظلومة في القرآن الذي يقول: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} فقال لنا أحدهم: نعني ميراث البنت مع أخيها، فقلت: أنتم قوم تبنون الحياة كلها على الحساب، فهلم "نتحاسب"، ولنفرض أن

<<  <  ج: ص:  >  >>