للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو يعني المال بجميع أنواعه، وراجعتكم في ذلك المجلس بأن الورَق وهو المال عامة أنسب بقصد الشاعر من الورِق الذي هو مال خاص، ولكن حرصكم على رواية الكسر أضاع صدى تلك المراجعة، ثم سافرتُ إلى دواخل باكستان ونسيت هذه القضية، ولما رجعت من جولتي وشرفتموني بالزيارة للمرة الثالثة ذكرتم لي آية الكهف على أنكم تذكرتموها بعد انفضاض المجلس الأول، فتنبه في خاطري أمران، الأول توهمكم أنني لا أعرت الورق بالكسر ومعناه، ولقد عرفتُ هذه الكلمة ومعناها وأنا ابن سبع سنين حينما مررت بموضعها في سورة الكهف في طريقي إلى البقرة، ولقد حفظت القرآن وأنا ابن تسع وكان عمّي رحمه الله يفسّر لي كل كلمة من غريب القرآن أثناء الحفظ. والثاني أنكم أردتم بذكرآية الكهف الاستشهاد لقصد سحيم كأنّ وجود لفظ الورق في القرآن دليل على أنه هو المقصود لسحيم، وهذا لا يستقيم، ولو ذُكرتْ لفظة الورق في القرآن أكثر مما ذكرت كلمة الصبر لم تكن دليلًا على ذلك، وإنما يكون الذكر في القرآن دليلًا على أن اللفظة عربية، أما استعمالات البلغاء فهي راجعة إلى مقاصدهم، وليس نزاعنا في وجود لفظ الورق في لغة العرب ولا في معناه عندهم وهو الفضة، وإنما نزاعنا في شيء آخر وهو حمل كلام سحيم على هذا المحمل، وهل هذا المحمل يشبه مقاصد البلغاء في مقامات الفخر ومقامات ذوي الهمم من غيرهم.

لهذا أردتُ أن أراجع أخي الفاضل بهذه الرسالة متطارحًا على فضله، ناشرًا للمعنى الذي أراه أرجح ولدليلي على الأرجحية، وقد أملى هذه الكلمات خاطر كليل، يجول في جسم عليل، ورشح بها فكر حائر، بين باكستان والجزائر، والفضل لسيدي الأخ في إثارتها في نفسي، فقد بَعُد عهدي بتذكر الأسماء والأبيات، فضلًا عن المباحث والموضوعات، فإنْ حرّكتْ هذه الكلمة في نفس الأستاذ كامنًا أو أثارت كمينًا، فكتب من معلوماته الواسعة ما يوجه الوجيه عنده كنت سعيدًا مرّتين: مرّة بما كتبت ومرّة بما كتب، ولعلّ ذلك يحفزه ويحفزني إلى مراجعات أخرى في موضوعات أوسع.

...

يا سيدي الفاضل: إن التصميم على رواية في الشعر يحتمل المعنى غيرها لا يُقْبَلُ إلّا من رجل يستطيع أن يأتي بإسناد متصل بالثقات إلى الشاعر، فيقول أنشدني فلان قال أنشدنى فلان وهكذا صاعدًا إلى أن يقول الأخير أنشدني عبد بني الحسحاس لنفسه قوله:

أشْعارُ عَبْدِ بني الحَسْحَاسِ قُمْنَ لَهُ ... يومَ الفَخار مقام الأصْل والوَرِقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>