للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أدعياء الثورية، أو أن يصدر البيانات باسمه الشخصي ليجنِّبَ الجمعية التي يرأسها ويقودها السُّوءَ، ولكنه أدرك بحسه العميق وتحليله الدقيق أن هذا الذي وقع في أول نوفمبر بالجزائر هو "ثورة" وليس "فورة"، وأن هذه الثورة تتميز "بحسن التدبير والنظام والإحكام، وأن الثورة شعبية غير متأثرة بالتأثرات الحزبية، وأن طابعها عسكري، حازم، عارف بمواقع التأثير" (١).

من أجل ذلك، فهذه الثورة في أمسِّ الحاجة إلى مساندة هيئة ذات مصداقية لدى الشعب الجزائري، وتزكية شخصية موثوق بها لديه، ليحتضن الثورة ويُمِدَّها بأمواله وبنيه.

ولم يكن في الجزائر آنذاك هيئة موثوق بها وبرئيسها وأعضائها إلّا جمعية العلماء، فالشيوعيون لا تأثير لهم على الشعب الجزائري، لا قبل الثورة ولا في أثنائها ولا بعدها، فإدارتهم "إدارة مكتبية- بِرُوقراطية- لا صلة لها بالشعب، ولم تكن قادرة على تحليل الحالة الثورية تحليلًا صحيحًا .. (و) كان خضوع الحزب الشيوعي الجزائري للحزب الشيوعي الفرنسي خضوع بني وِي- وِي" (٢٢)، وكانوا أسارى نظريتهم الخيالية القائلة "بأنه من المحال تحرير الوطن الجزائري قبل انتصار طبقة العمال في فرنسا" (٢٣)، والقائلة بنفي "صفة الثورة على طبقة الفلاحين عامة والفلاحين الجزائريين منهم خاصة" (٢٤)، وأعضاء حزب أحباب البيان كانوا محدودي التأثير على الشعب الجزائري بسبب منطلقاتهم الفكرية التغريبية، وإيمانهم بإمكانية الوصول إلى نوع من الكيان السياسي المشترك بين الجزائريين والفرنسيين تحت السيادة الفرنسية.

وأما أعضاء حزب حركة الانتصار للحريات الديمقراطية، فقد كان بأسهم بينهم شديدًا، فقد انقسموا على أنفسهم، وصار يلعن بعضهم بعضًا، ويقتل بعضهم بعضًا من أجل الزعامة والنفوذ الشخصي.

إن بيانات الإمام الإبراهيمي المتتالية المؤيدة للثورة، الداعية إلى تأييدها كانت مَدَدًا إلهيًا لها في أول عهدها، وفي مرحلة ضعفها، لأنها جعلت الشعب الجزائري يطمئن إليها ويثق بها، ويقبل عليها من غير تردد، ومن غير ضغط أو إكراه، "فدَفْع الجماهير إلى الثورة ضد المستعمر يكون دائمًا باسم الدين، لأن العربي في الجزائر- الذي لا يملك شيئًا يقتات به- ليس لديه إمكانية أخرى للتعبير عما يريده وما يرفضه في المجال السياسي سوى السير


٢١) انظر مقال: "أوسع المعلومات عن بداية الثورة في الجزائر" في هذا الجزء مِن الآثار.
٢٢) انظر "بيان الصومام" في ملفات وثائقية رقم ٢٤، وزارة الإعلام والثقافة، الجزائر ١٩٧٦، وكلمة "وِي- وِي" بالفرنسية معناها "نعم، نعم"، ويطلقها الجزائريون على الموالين لفرنسا، احتقارًا لهم.
٢٣) نفس المرجع، وتحرير الوطن في مفهوم الشيوعيين الجزائريين ليس معناه الانفصال عن فرنسا، وإنما معناه القبول بسيادة فرنسا "البروليتارية" على الجزائر.
٢٤) نفس المرجع.

<<  <  ج: ص:  >  >>