للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستعمار الغربي- وكل استعمار في الوجود غربي- يزيد على مقاصده الجوهرية وهي الاستئثار والاستعلاء والاستغلال، مقصدًا آخر أصيلًا وهو محو الإسلام من الكرة الأرضية خوفًا من قوّته الكامنة، وخشية منه أن يعيد سيرته الأولى كرة أخرى.

وجميع أعمال الاستعمار ترمي إلى تحقيق هذا المقصد، فاحتضانه للحركات التبشيرية وحمايته لها وسيلة من وسائل حربه للإسلام.

وتشجيعه للضالين المضلّين من المسلمين غايته تجريد الإسلام من روحانيته وسلطانه على النفوس، ثم محوه بالتدريج.

ونشره للإلحاد بين المسلمين وسيلة من وسائل محو الإسلام، وحمايته للآفات الاجتماعية التي يحرمها الإسلام ويحاربها كالخمر والبغاء والقمار، ترمي إلى تلك الغاية. ففي الجزائر- مثلًا- يبيح الاستعمار الفرنسي فتح المقامر لتبديد أموال المسلمين، وفتح المخامر لإفساد عقولهم وأبدانهم، وفتح المواخير لإفساد مجتمعهم، ولا يبيح فتح مدرسة عربية تحيي لغتهم أو فتح مدرسة دينية تحفظ عليهم دينهم.

ويأتي في آخر قائمة الأسلحة التي يستعملها الاستعمار الغربي لحرب الإسلام اتفاقه بالإجماع على خلق دولة إسرائيل في صميم الوطن العربي، وانتزاع قطعة مقدّسة من وطن الإسلام وإعطائها لليهود الذين يدينون بكذب المسيح وصلبه، وبالطعن في أمه الطاهرة.

فالواجب على المسلمين أن يفهموا هذا، وأن يعلموا أن من كان عدوّا لهم فأقلّ درجات الإنصاف أن يكونوا أعداء له، وأن موالاته بأي نوع من أنواع الولاية هي خروج عن أحكام الإسلام، لأن معنى الموالاة له أن تنصره على نفسك وعلى دينك وعلى قومك وعلى وطنك.

والمعاذير التي يعتذر بها الموالون للاستعمار كالمداراة وطلب المصلحة، يجب أن تدخل في الموازين الإسلامية، والموازين الإسلامية دقيقة تزن كل شيء من ذلك بقدره وبقدر الضرورة الداعية إليه، وأظهر ما تكون تلك الضرورات في الأفراد لا في الجماعات ولا في الحكومات.

وموالاة المستعمر أقبح وأشنع ما تكون من الحكومات، وأقبح أنواعها أن يحالف، حيث يجب أن يخالف، وأن يعاهد، حيث يجب أن يجاهد، وأقبح ما فيها من القبح أن يحالف استعمار على حرب استعمار.

وقد كانت الحروب قبل اليوم لمعانٍ بعضها شريف، وقد يكون أحد الجانبين فيها على حق. أما هذه الحروب التي لا تنتهي الواحدة منها إلا وهي حامل مُقْرب بأخرى أشدّ منها

<<  <  ج: ص:  >  >>