للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لذلك كان اتجاه العصبيات التي تقيم الدول وتقعدها مصولًا دائمًا إلى هاتين العاصمتين التاريخيتين: القيروان وفاس وإلى موقعهما.

ولهذا السبب كان القطر الجزائري، (وهو المغرب الأوسط) في أغلب عهوده الإسلامية، موزّعًا بين مراكش وبين تونس، فكان قسمه الغربي جزءًا من مملكة مراكش، في أيام المرابطين اللمتونيين، وفي أيام الموحّدين، وفي بعض أيام المرينيين، وقد تقوى بعض هذه الدول التي ذكرناها فتضمّ القطر الجزائري كله أو معظمه إلى مراكش، وقد تضم معه تونس، كما وقع في أيام يوسف بن تاشفين مؤسس الدولة اللمتونية، وفي أيام عبد المؤمن بن علي مؤسّس الدولة الموحّدية، وهو بالاعتبار الجغرافي جزائري الأصل والمولد، وفي أيام السلطان أبي الحسن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق، موسع المملكة المرينية إلى حدود طرابلس. وكان القسم الشرقي من الجزائر يتبع- في بعض الفترات التاريخية- المملكة التونسية، كما وقع في عهد الأغالبة، وفي صدر الدولة الفاطمية، ثم في أيام الدولة الحفصية التي هي فرع من الدولة الموحّدية، استقلّت عن أصلها بتونس، ولما انقرض ذلك الأصل عاشت بعده إلى العهد التركي.

أما البربر سكّان الوطن الأصليون بالجزائر فكانوا خاضعين للحكم الإسلامي والسلطان العربي خضوعًا دينيًا، كأنهم يرون أن الإسلام علم وعمل، والعرب أساتذته ومعلّموه، والخضوع الديني يقتضي السمع والطاعة، ويقضي على النزوات النفسية والأهواء والشهوات والعصبية والفوضى. ولكن تلك النزوات تحرّكت فيهم بعد قليل. وراجعتهم طباعهم الأصلية في الفوضى والعصبيات القبلية، فانتقضوا على الولاة والدول، وأعانهم على ذلك اضطراب حبالها في الداخل والخارج، وتعاقب المجاعات وفساد الولاة، وأعذهم ذلك كله إلى إنشاء إمارات صغيرة ودول كبيرة، يقتطعونها من هذا الجسم الكبير، وكانت دولهم لا تقتصر عما أسّسه إخوانهم برابرة المغرب الأقصى في تناهي الحضارة واستبحار العمران وازدهار العلوم والفنون والصنائع، والبراعة في تخطيط المدن وتمصير الأمصار. ويحسن أن نمرّ بكم قبل الدخول في الموضوع بالدول التي قامت في جهات من صميم القطر الجزائري حتى تتلاقى وتتّصل حلقات تاريخه.

[الدولة الرستمية]

نشأت هذه الدولة عام ١٤٤ هجرية، وانقرضت عام ٢٩٦ فكان عمرها ١٥٠ عامًا، وهي أول دولة جزائرية قامت في صميم القطر الجزائري من أهله، بالمعنى الجغرافي العصري للجزائر، وقد قامت على نزعة مذهبية انتقلت من المشرق إلى المغرب، وانتشرت أول ما انتشرت في القبائل ذات الشوكة، حوالي طنجة البعيدة عن منال ولاة

<<  <  ج: ص:  >  >>