للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكل زعيم ديني مشكلة، وكل زعيم سياسي مشكلة. الأمية مشكلة، والثقافة مشكلة، والمرأة مشكلة، والزواج مشكلة، والطلاق مشكلة، والعلم عندنا مشكلة، والجهل مشكلة، وما لا إشكال فيه عند جميع الناس، يصبح مشكلة حين يتصل بنا أو نتصل به، والعروبة نفسها مشكلة تنحل إلى مشكلات، فهي- جنسية- هدف لكل رام، وغرض لكل طاعن، ومدرجة لكل عاق من أبنائها العائشين على درتها يتسللون منها إلى فرعون أو فينيق أو بربر، ويتخذ بعضهم من شقرة شعره أو زرقة عينيه شهادة على نفسه، بأنه منها لغية، وأن هذه وما أشبهها لمشكلات ذات آثار سيئة عميقة في المجتمع العربي، وقد بزتها الجنسيات التي شرفها أبناؤها بالعلم والعمل والصناعة والحضارة، وأصبح أبناء العروبة يتضاءلون ويتصاغرون إذا جمعتهم الحياة بأبناء الجنسيات الأخرى، حتى ليكادون يتبرأون من العروبة.

والعروبة- لغة- غمرتها الرطانات الأعجمية، واللهجات العامية، واللغات الأجنبية، والرطانات الأعجمية أخذت منها ثم تعالت عنها، واللهجات العامية مزقتها، وأصبحت حجة عليها ومداخل ضيم لها، واللغات الأجنبية زاحمتها في ضعفاء الهمم والعزائم من أبنائها، وهذه كلها مشكلات ذات أثر سيئ وعميق في المجتمع العربي.

...

ومشكلة العروبة في الجزائر تتنوع وتتفرع، ولكنها في مجموعها أيسر حلا وأسهل علاجًا منها في بعض الأقطار العربية، لخلوها من كثير من عناصر الإشكال في الأقطار العربية الأخرى، ذلك أن مشكلات العروبة في غير الجزائر يصاحبها من الأوضاع ما يقلدها تعقيدًا وإشكالًا من تعدد الحكومات وتنوعها، واختلاف الأحكام وتضادها، ومن اختلاف الاتجاه السياسي لتلك الحكومات، ومن عدم وجود ما يسمى الرأي العام في معظم الشعوب العربية، وعدم نضج الموجود منه في بعضها، ومن التفاوت العظيم في الثقافة بين شعوب العرب، ومن اختلاف الثقافة الأجنبية على الجيل الجديد من العرب.

أما في الجزائر فإن مشكلة العروبة أساسها وسببها الاستعمار الفرنسي، وهو عدو سافر للعرب وعروبتهم ولغتهم ودينهم الإسلام، ووجود المشكلة منوط بوجوده، فإذا زال زال العنصر الأكبر منها، والسبب الأعظم فيها، وإذا بقي- ولو إلى حين- فمشكلة العروبة في الجزائر سائرة إلى واحد من اثنين: إما أن نغلب الاستعمار على عروبتنا ونعالج مشكلتنا بأيدينا - وهذا ما تفعله جمعية العلماء منذ قامت- ثم لا نجد عائقًا بعد الاستعمار الفرنسي لخلو الجزائر من العناصر العائقة كما ذكرنا، وإما أن يغلبنا الاستعمار على عروبتنا فتتطور المشكلة إلى شيءآخر وهو ما يقضّ مضاجعنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>