للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم تذكِّر رسالتكم مني ناسيًا، وهيهات أن أنساكم، بل ما زال لساني رطبًا بذكركم ومجالسي معطرة بالثناء عليكم وعلى أعمالكم، متصلًا ذلك أوله بآخره، وأوله منذ قرأت أول كتاب لكم من إهداء أخي العربي البليغ المأسوف على بيانه وجهاده الأستاذ مسعود عالم الندوي، وآخره منذ شرفني الله باللقاء بكم في منزلكم العامر بلاهور، وجاءت المحنة التي جعلها الله لكم رفعة قدر ومنبع فخر، وحسن ذكر، فضيقت على لساني مجال القول إلّا فيكم، والحديث إلّا عنكم، وطالما أرسلت البرقيات صارخة بالاحتجاج القوي المنطق، وكنت على يقين كرأي العين بأن الله جاعل لكم من أمركم مخرجًا، وأنه لا يخذل عباده المؤمنين به، الذابين عن دينه، حتى هتفت الأنباء بالفرج وتناقلت الصحف البشائر، وتبين ما كنت أعتقده من اللطائف، وهو أن لله فيكم سرًّا هو مجلّيه لوقته، وأنه مستبقيكم لأداء أمانة وإظهار خارقة لخير الإسلام قد أظلّ زمانها، وأن قلبي ليحدثني بها حتى كأني أراها، ذلك أنني عميق التأمل في تاريخ الإسلام ومراحله المتدرجة في الكون مع الدهر، وطالما وقف هذا التأمل بي على أن البدء تتبعه إعادة، وأن هذا الانحطاط قد بلغ غايته ولم يبق إلّا الارتقاء، سنة الله في الأديان وحامليها، وإذا كانت الإرهاصات مقدمات للنبوة والدين، فإنها كذلك مقدمات لتجديد شباب الدين، ويقيني أن هذه البوارق ستتبعها صواعق، وأن هذه الرعود سيتبعها غيث مدرار، وأن وجودكم ووجود عصبة من أمثالكم- متفرقة في الأقطار الإسلامية- لإيذان من الله جلت قدرته بقرب تبلج الفجر الصادق المرتقب بعد هذا الليل الطويل الحالك.

أما ما أشرتم إليه من عدّي في زمرة المنتصرين لقضيتكم الساعين في خلاصكم من المحنة، فأنا فخور بهذا، متحدث بتوفيق الله إياي لرفع صوتي بكلمة الحق فيه، ولكني مع ذلك أكاد أتوارى خجلًا من ذكره، فضلًا عن شكره، لأنني قمت بأيسر اليسير من واجب تبذل فيه المهج، وبقي عليّ آخر شيء في جدول الواجبات، وهو المبادرة بتهنئتكم ببرقية على المألوف بين الناس، ولكنني فكرت في غمرة من الفرح، ونشوة من الاغتباط للإفراج عنكم، فصورت لي الخواطر الممثالة على مشاعري أنني "صاحب الدار" وأنني أحق الناس بأن اأكون المهنأ لا المهنئ، وفي لجة هذا الخيال الشعري الغامر- الذي لا يصح عذرًا إلّا عند الشعراء الهائمين في آفاق الخيال- ذهبت الأيام والأسابيع حتى أيقظتني رسالتكم الكريمة، فعلمت أن الله أبى إلا أن تكونوا البادئين بالفضل، السابقين إليه.

نرجو أن تتصل الرسائل بيننا والكتب والنشريات المتعلقة بالإسلام وحقائقه، فإن في ذلك صلة بين الأجزاء، وقوة للعاملين، وعونًا على وعورة الطريق.

وسلام الله عليكم، ورحمته تغشاكم، وبركاته تراوحكم وتفاديكم، من أخيكم المشتاق إليكم، المعتز بكم.

محمد البشير الابراهيمي

<<  <  ج: ص:  >  >>