للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإدارته، فكنت أطاوله في ذلك وأعلله، ثم اضطربت أحوال سوريا في النصف الأخير من ١٩١٩ وتبين لي مصير فيصل ومصير سوريا فقلبت الرأي على وجوهه وعواقبه، وجاءتني من الجزائر أخبار متواترة تفيد أن الجو فيها أصبح صالحًا للعمل المثمر في العلم وفي السياسة، فعقدت العزم على الرجوع إلى الجزائر، وقد كنت تزوجت في تلك المدّة بدمشق ومات والدي وولدي بها.

رجعت إلى الجزائر في أوائل سنة ١٩٢٠ على نية القيام بعمل علمي عام يعقبه عمل سياسي، فوجدت الجو أصلح مما تركته سنة ١٩١١ بسبب تأثير الحرب وويلاتها في النفوس، ولكن الاستعداد في الأمة لم يكن كافيًا للقيام بعمل يعتمد عليها، فاتفقت أنا وجماعة من إخواني العلماء الأحرار على أن نبتدئ بإكمال الاستعداد في الأمة وقررنا الوسائل المؤدية إلى ذلك، وكان الجهد شاقًا والنتائج بطيئة، ولكننا صبرنا عشر سنوات مع مواصلة ذلك الجهد الشاق، وجاءت سنة ١٩٣٠ حدًا فاصلًا بين الماضي والحاضر، ففيها تم للاحتلال الفرنسي من العمر مائة سنة، وأقامت فرنسا المهرجانات ابتهاجًا بذلك، وسخطت الأمة العربية الإسلامية على ذلك، ورأت في بعض مواد المهرجان إهانة سافرة لها وامتهانًا لِمَجْدِها وجرحًا لكرامتها وافتراءً على تاريخها، واستغللنا نحن ذلك كله في إثارة نخوتها وإيقاظ إحساسها وإكمال استعدادها للعمل، وفشلت تلك المهرجانات بأعمالنا وبعوامل أخرى خارجية، وخسرت فرنسا آمالها المرجوة منها كما خسرت الأموال الطائلة التي أنفقتها عليها.

[تأسيس جمعية العلماء الجزائريين]

تأسست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في سنة ١٩٣١، وكانت عوامل تكوينها طبيعية بسيطة عن قصد، لئلا تثير من الاهتمام ما يدعو إلى مقاومتها قبل أن تستوي على سوقها فتكون الضربة القاضية عليها، ولو قضي عليها إذ ذاك لما استطعنا تجديدها في عشرات السنين، وعشنا في ظل تلك البساطة سنة ثبتنا فيها قواعد العمل، واتّصلنا بطبقات الأمة ووثقنا فيها العلائق بها، وما جاءت السنة الثانية حتّى بدأت الأيدي المتدسسة تعمل عملها، ولكنها لم تؤثر شيئًا لأن مبادئ الجمعية تغلغلت في ذلك الزمن القصير إلى مستقر العقيدة من نفوس من كمل استعدادهم من الأمة.

[عملي في الجمعية]

أخجل حين أتحدث عن عملي في الجمعية، فلأترك الشهادة للواقع الذي عرفه من عرفه، وسيعرفه كل من بحث عنه، وإنما أنا معتز بالثقة التي أولانيها إخوان من يوم تكونت هذه الجمعية، فلم أزل وكيلها من يومئذ نائبًا عن الرئيس الإمام عبد الحميد بن باديس باني

<<  <  ج: ص:  >  >>