للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الذكرى الأولى للثورة الجزائرية *

إنه لمن السنن المقدّسة أن نحتفل بمرور عام على ظهور هذا المولود إلى عالم الوجود، وإنه لمن دواعي فخرنا أن نحتفل بذلك، فسلام على هذا المولود، وسلام على الأم الولود، وسلام على الحافظ لمهده، وسلام على الحارسين لهذا المهد، وسلام على المربّي إلى أن ينشأ نشأته الحرة إلى أن يصبح مستقلّا، فيبلغ ما يبلغه الرجال، بل سلام عليه وهو يمرّ بما تفرضه السُّنَن الإلهية في المواليد فيدبّ ثم يشبّ.

هذا المولود الذي ستكون نتيجته أو ثمرته أو بلوغه الأَشُدّ أن تبلغ الجزائر كل استقلالها، هذا المولود الذي هو تلك الثورة العارمة التي شَنَنّاها على الاستعمار الغاشم ولن تكون نتيجتها إلا التحرير إلّا بلوغ الحرية التامّة للوطن الجزائري بل المغربي كله، هذا الوطن الذي اصطبغ بدم أبنائه وسيظلّ هكذا إلى أن ينتصر الحق.

هذا الوطن الذي يهبّ أبناؤه الآن هبّة رجل واحد لنصرة العروبة والإسلام، فلا نرى منهم إلّا الثائر أو المهيّأ للثورة على الأقلّ والدافع إليها والممهّد لها، هؤلاء هم إخوانكم العرب المسلمون الذين يطلبون قلوبكم ويأملون بعواطفكم، وتلك هي الجزائر العربية المسلمة التي تخصّكم كما تخصّهم منذ ثلاثة عشر قرنًا.

فالإسلام قد دخل الجزائر ونبت في قلوب الجزائريين منذ عهد عقبة بن نافع وحسّان بن النعمان، وهذا التاريخ المجيد للعروبة والإسلام في الجزائر يعرفه الفرنسيون حق المعرفة، هؤلاء الذين يَدّعون بكل وقاحة أن الجزائر قطعة من فرنسا دون أن يلحظوا الأدلّة ضدّهم في اختلاف اللغة والعادات والدين، وذلك البحر الذي يفصلنا عنهم يشهد بالوقائع التاريخية بيننا وبينهم منذ أن كنّا بَرْبَرًا إلى أن صرنا عربًا ومسلمين. فأين العقل النيّر في العالم الذي


* مجلة "العرفان"، لبنان، المجلد ٤٣، الجزء٣، كانون الأول (ديسمبر) ١٩٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>