للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكُتُب كامل كيلاني نفحة من نفحات الفطرة الأولى للأطفال، تحبّب إليهم القراءة، وتجذبهم إليها، وتقرّب ميولهم ... يقرؤها الذكر والأنثى، فلا يشعر واحد منهما بإيثار ولا استيثار.

وكُتُب كامل كيلاني، لطفل العجم تعريب، ولطفل العرب تدريب، ولهما معًا تسهيل للتلاقي وتقريب! وأكبر حسناتها أنها ترقّي الذوق، وتنبّه الإحساس، وشرّ آثار التربية السيئة في الطفل عثر الذوق وبلادة الإحساس!

قرأت هذه الكتب وأنا شيخ كبير، فنقلتني إلى ذلك العالَم الجميل الذي يتمنّى كل شيخ مثلي أن يعود إليه: عالم السذاجة والغرارة، والبراءة والطهارة ... ورجعت بي إلى فصل افترار الحياة عن مباسمها، وإقبال الآمال على مواسمها، فوددتُ لو انحدرت- في سلّم الحياة- إلى ذلك العهد، ثم صعدتُ بإرشاد كتب كيلاني إلى رأس السلّم، حتى أقضي ما بقي لي من العمر في الصعود والانحدار، ليبنى عقلي بتلك اللبنات الثمينة، ويتجدّد طبعي منقّحًا- في كل مرّة- تنقيحًا "كيلانيًا" عبقريًا.

كان هذا النمط العالي من كتب التربية دَيْنًا واجب الوفاء من ذمم علمائنا، فقضاه عنهم هذا المربّي الصامت الصابر الذي اقتحم الميدان وحده، ونصب حيث لا مُعين، وظمئ حيث لا مَعين. فإذا جحدتْه الأجيال التي بَنَى فيها، فحسبُه سلوى أن ستحمده الأجيال التي بنى لها.

...

للأستاذ كامل كيلاني منزلته الرفيعة في الأدب، وله وزنه الراجح في العلم، وهو- في ذلك كله- رجل كالرجال، يصطرع حوله النقد، ويتطاير عليه شرر الحسد والحقد ... ولكنه- بما جوّد وأتقن وابتكر من هذه الكتب بل من هذه الطرائف في التربية- أصبح مَبْدَأً لا رجلًا.

والمبادئ الصالحة حظها الخلود، ومن شأنها أن تستمدّ معاني الخلود من جحد الجاحدين وحمد الحامدين على السواء.

...

أبقى الله شيخ أدباء العصر، كاملًا للنفع، وعاملًا للرفع، وهَدَى أنصار العروبة وقادة أجيالها إلى الانتفاع بهذه الكنوز التي أثارها، والاندفاع في هذه السبل التي أنارها.

<<  <  ج: ص:  >  >>