للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الجمعية قد جرت على سنة الله في تطور الكائنات وقد كان من أطوارها طور للتمهيد، وطور لإزالة الأنقاض، وهي الآن في طورها الثالث وهو طور البناء والتشييد. ولكل طور من هذه الأطوار حكمه وحكمته وظروفه وملابساته وأسبابه ومقتضياته، كما كان لجرائدها السابقة: السنّة فالشريعة والصراط حظ من هذا التطور، وكان لكل ما نشر في تلك الجرائد ظرف خاص أوجبه، وسبب خاص اقتضاه، وما أكثر المفاجآت في أطوار التمهيد والتأسيس، وما أكثر ما تلد تلك المفاجآت من أشياء تسمّى خروجًا عن الموضوع وما هي إلا من باب ما لا يتم الواجب إلا به، أو من باب الوسائل التي لا تصوّر المقاصد إلا بعد تصويرها، أو من باب الضرورات القاهرة.

إن لله في هذه الجمعية وجرائدها حكمة هو مجليها لوقتها. فقد كانت أسماء جرائدها رموزًا إلى أطوارها، ونحمد الله الذي ألهمنا تسمية هذه الجريدة بالبصائر. فقد تجلّت على الناس في وقت انقشعت فيه سحب الرين والشكوك عن البصائر، وأيقن الناس إلا قليلًا منهم، أن ما تدعو إليه الجمعية من علم ودين حق لا ريب فيه، وستكون "البصائر" البرهان القائم على استبصار الجمعية فيما تدعو إليه من الإصلاح الديني والعلمي، وعلى استبصار الأمّة فيما تدعى إليه منهما.

لذلك كله يجب علينا وعليكم- أيها الإخوان الكرام- أن نسير بالجريدة فيما يكتب فيها على خطة تتفق مع الطور الحاضر للجمعية، وهو طور البناء والتشييد، معتقدين أن حركة الإصلاح هي حركة فرغ من وسائلها وإعداد أذهان العامة والخاصة لقبولها، ولم يبق إلا الاشتغال بالمقاصد العملية، وأهمها توجيه الجهود كلها إلى بيان الحقائق العلمية والدينية بالدروس والمحاضرات والكتابة، وأن كلمة الإصلاح قد أصبحت علمًا غالبًا محدّد المعنى والحقيقة على هذا المبدإ السامي الذي ندعو إليه. ونعتقد أن من حق الله علينا الدعوة إليه، وقد كنا بالأمس قليلًا مستضعفين فأصبحنا- بحمد الله- كثيرًا ظاهرين، وسيعمّ الإصلاح الديني هذه الأمة لا بقوتنا بل بقوة الله، وسيتفق الناس عليه حتى كأن لم يكن بينهم فيه خلاف، وسيهتدي الضال ويرشد الغوي، وثقوا أنه ما اختلف اثنان في الحق إلا وأرغمهما الحق على الاتفاق فيه.

أما هذه الخطة التي يقتضيها التطور فنجملها لكم في الأصول الآتية:

الأول: علاقتنا بالإدارة الجزائرية علاقة صفو ومسالمة بالتي هي أحسن في خصوص دائرتنا التي نعمل لها وهي العلم والدين، والنظر في هذه العلاقة وتحديدها في الجملة من خصائص المجلس الإداري لجمعيتكم، وهو كما تعهدونه وفوق ما تعهدونه لا ينام عن حق ديني أو علمي لهذه الأمّة تخوّلها إياه القوانين والمبادئ الجمهورية، ولا يسكت حيث يجب

<<  <  ج: ص:  >  >>