للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون موضوع الكتاب بعد أن لم يدل اسمه على موضوعه؟ وماذا عسى أن تكون الصلة بين الشيخ أبي مدين الصوفي المربي في القرن السادس وبين مدرّس في المدارس الدولية في القرن الرابع عشر، ألا تكون هذه الصلة هي التاريخ؟ ثم ألا يكون موضوع هذا الكتاب الصغير بحثًا تاريخيًا في ناحية من سيرة هذا الصوفي الكبير الذي شغل الناس قرونًا بالحديث عنه بلسان العلم، ثم شغلهم قرونًا أخرى بالحديث عنه بلسان الجهل والتخريف؟ ألا يكون هذا الكتاب الصغير، أسلوبًا ممتعًا من أساليب الدراسة التاريخية الفنية التي يتبجح أمثال هذا المدرّس بإحسانها ويدينون باحتكارها لسادتهم الأوروبيين؟ وما عهدنا ببعيد من ذلك المدرّس الذي كتب يقول ما معناه ان خرّيجي "المدارس" (٢) أقدر على تعليم علوم الدنيا والدين! ..

تنازعتني هذه الخواطر قبل أن أفتح الكتاب، وكاد سوء الظن يغلب فأرميه وأحكم عليه بالسخافة حكمًا معجلًا. ولكنني ذكرت المثل "إن الجواد عينه فراره" ففتحت الكتاب فبدأت الجهالات تتوالى، فاعتصمت بالصبر وألزمت نفسي بقراءته كله من شفقه الغارب، إلى فجره الكاذب. فبماذا خرجت من هذه الليلة الداجية؟

لا أكتم القارئ أني خرجت كما تقول العامة بيد فارغة وأخرى لا شيء فيها، فعاهدت نفسي أن لا أجمع عليها خيبة الأمل في الكتاب ومؤلفه، وحرمان القراء من حديث عنهما، يفيدهم عبرة ومثلًا ويفيد المؤلف شيئًا اسمه "عرفان القدر"، فقد دلّنا بكتابه على أنه لا يعرف قدر نفسه، وما أحوج المؤلف قبل كل الناس إلى مثل هذا الدرس، بل ما أحوجه إلى مثل هذا التأديب، لعله يذكر أو ينيب!

...

أنت، يا حضرة القارئ، صادق إذا سمّيت قرعة الطيور كتابًا لأنك تجد فيه وحدة متناسقة وتأصيلًا وتفريعًا وخروجًا من بلدة إلى مملكة، وكل هذا تنقل إن لم يكن في الصدق ففي النظام.

وأنت صادق حين تسمى مجربات الديربي والزناتي في الرمل ورجوع الشيخ إلى صباه، كتبًا لأنها سخافات منظمة، ولأن لأصحابها ذوقًا في الترتيب وشخصية في الموضوع.

ولكنك لا تصدق أبدًا إذ سميت هذا السواد كتابًا وإن كان صاحبه مدرّسا، وإن سمّاه السعادة الأبدية.


٢) هي ثلاث مدارس أنشأتها فرنسا سنة ١٨٥٧ بالجزائر لتخريج أعوانها الذين يكونون واسطة بينها وبين الشعب الجزائري (قضاة، أئمة، تراجمة) والمدارس توجد في تلمسان والجزائر وقسنطينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>