للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من عذاب فرنسا في سجونها ومعتقلاتها كلهم في الجبال قد شغلهم أخذ الثأر عن قول الأشعار. وجهوا خطبكم لهذه الجموع المقصرة، وللجماعات غير السامعة ولا المبصرة، إملأوا أيدي إخوانكم سلاحًا يملأوا تاريخكم محامد ومآثر ويملأوا قلوب أعدائكم رعبًا ورهبة، اكفوهم مؤونة الأيام يكفوكم مؤونة القتال ... إن بقايا الموت من أطفال ونساء وشيوخ عجّز قطع الموت كل ما بينهم من صلات، فهم هائمون مشردون وقد وصلت فلولهم إلى هذا الشرق. إن إخوانكم المجاهدين قد قاموا دونكم بواجب القتال وإنهم لا يحتاجون منكم عونًا من الرجال فقوموا لهم ببقية الواجبات.

إن المسألة ليست تكفين ميت وتجهيزه يقوم بها غني واحد، لا بل الأمر أعظم من ذلك: إنها ثورة التهمت الأخضر واليابس من جنود فرنسا وثروتها وأموالها المخزونة وأوقفتها على حافة الإفلاس، كما التهمت ثروة الجزائريين على تفاهتها. فالفلاحة والتجارة وهما كل ما يعتمد عليه الجزائري قد رمتها الجيوش الفرنسية بالنهب والاتلاف، وان أخوف ما نخافه على ثورة الجزائر هو أن يجوع الشعب الجزائري فقفوا عند هذه النقطة واقرأوا لها ألف حساب إنكم أيها العرب والمسلمون من ورائكم تنالون القسط الأوفر من غنم هذه الثورة فما لكم لا تشاركون بكل ما تملكون في غرمها؟ الآن وجب حق الأخ على أخيه ... ان الأرحام تشابكت وتعددت بينكم، فالعربي أخو العربي في الدم والجنس، والمستضعف أخو المستضعف بالذل والاستكانة، والمظلوم أخو المظلوم، والافريقي المضطهد أخو الافريقي المضطهد والشرقي أخو الشرقي، ومن حسنات الاستعمار- ان كان الشر يريد الخير- انه طوانا في ملاءة واحدة، ومسنا بعذاب واحد، وأذاقنا ظلمًا متشابهًا، وإن فينا لقوة، وإن عددنا ليربو على عددهم وقد تلاقينا على ظلمه، فلماذا لا نتلاقى على التخلص منه؟

إن الأمر جد فجدوا، وإن العدو مستعد فاستعدوا.

أيها الإخوة: إن إخوانكم الجزائريين لا يعتمدون قليلًا ولا كثيرًا على هذه المؤسسات الكاذبة المتحدة على الضلال، ولا على هذه الألفاظ التي تلوكها الألسنة المقطوعة الصلة بالقلوب من حقوق الإنسان وحقّ تقرير المصير، فإنّ هذه الألفاظ كلها من أكاذيب الاستعمار لينوِّم بها الشعور ولِيُلْهِيَنَا بها إلى حين. إن الجزائريين يقاتلون فرنسا على ما سامتهم من أنواع العذاب، وسلاحهم الوحيد هو إيمانهم بالله ناصِر المستضعفين وقامِع الطغاة ومُذِلّ الجبابرة. وإنهم إنما يقاتلون لأجلكم، ويضحّون بالأهل والأبناء انتصارًا للعروبة وللإسلام.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

<<  <  ج: ص:  >  >>