للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ناقدًا أو ممحّصًا وإنما يعرف (فكّرت) و (قلت)، وتحسن إلى الأمّة التي تنتسب إليها فتأتيها بشيء جديد، يوقظ فيها الذكرى الصالحة وينبّهها إلى القدوة الحسنة ويرفع رأسها فخرًا ويجلو عليها صفحة بيضاء من صحائف سلفها.

أتدري ما هو هذا الشيء؟

هو هذا الذي وقعت عليه كما يقع الحيوان الأعجم [حاشاك] (٣) على الجواهر فيدوسها بأرجله، ولا يدري إلا أنها من جنس ما يداس إذ لم تكن من جنس ما يؤكل. ومع انطباق هذا التشبيه فإنني أدلّك فاسمع:

إننا عرفنا حياة الشيخ أبي مدين حق المعرفة وعرفنا مكانته في علوم الشريعة، وعلمنا مبلغ تأثره بعصره وتأثيره في عصره، وعلمنا سيرته العملية تمام العلم، وقرأنا كلامه في المعارف الإلهية والمنازع الصوفية ووزناها بميزان الشريعة فميّزنا ما يقبل مما يرد، ونحن نعظّمه تعظيمًا شرعيًا راسخًا برسوخ أسبابه لا تعظيمًا تقليديًا زائفًا.

فعلمنا من كل ذلك أن في تاريخ حياته جوانب عامرة، وأن على بعض كلامه إشراق الحكمة وروحانية الحكماء. فلماذا لم تعمد، يا حضرة المدرّس!، إلى البحث في عصره، وروح عصره وتأثيره في عصره، فترضي علماء الأوروبيين الذين تروقهم أمثال هذه المباحث؟ أو إلى جانب من تلك الجوانب العامرة من سيرته فتجلوها على قومك في معرض من الكلام ينبّه الغافل، ويعلم الجاهل، ويزّين لهم الاقتداء في الصالحات، وبهذا ترضي أمّتك الفقيرة إلى مثل هذا.

إننا نبهناك إلى هذا مع علمنا أنك لا تملك وسائله، وما وسائله إلا الذهن النيّر والقريحة الصافية والنيّة الصالحة، قبل ذلك وبعده ...

أما ما جئت به فإن أدنى عامي من سكان قرية "العُبّاد" التي فيها مدفن الشيخ يشاركك في معرفته ويزيد عليك بعشرات من مثله، وإذا ساواك العامي في هذه المادة أو فاقك فيها، فما معنى الديبلوم؟

إننا لا نزال نقول لك ولأمثالك من العوام إن الكرامات هي الجهة العقيمة في سير الصالحين، ونوضح لكم ذلك بأنها ليست من أعمالهم الكسبية التي يقتدى بهم فيها.

أما الجهة العامرة المنتجة من سير الصالحين فهي أعمالهم الصالحة، وأخلاقهم الحميدة، التي يقتدي بهم الناس فيها ويكونون فيها للناس أسوة حسنة. فلماذا تتركون هذه الأعمال التي لا يكون الصالح صالحًا إلا بها، والتي ينتفع بها كل من يقتدي بهم فيها،


٣) كلمة تقال في الجزائر إذا جرى الحديث عن شيء مستقبح أو مستقذر. ومعناها (تنزيهًا للقارئ أو السامع).

<<  <  ج: ص:  >  >>