للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[السياق التاريخي (١٩٢٩ - ١٩٤٠)]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

إن مثل العلماء العاملين المصلحين كمثل الماء المعين؛ هذا يسوقه الله إلى الأرض الجرز فتهتز بعد همود، وتربو بعد جمود، فتنبت ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وأولئك يبعثهم الله في أمتهم فيؤذنون فيها فتستيقظ بعد رقود، وتتحرك بعد ركود، وتنهض بعد قعود، وتنشط بعد خمود، وترشد بعد غواية، وتتآلف بعد تخالف، وتتعارف بعد تناكر، وتتصالح بعد تدابر، وتنسجم بعد تنافر، وتتوحد بعد تفرق، وتلتئم بعد تمزق، وتتخلق بعد انحلال، وتنتظم بعد اختلال، وتصح بعد اعتلال، وتهتدي بعد ضلال. وتتذكر بعد نسيان، وتتآخى بعد عدوان.

لقد كان الناظر إلى الشعب الجزائري- قبل أن يؤدن فيه العلماء المصلحون- يحسبه يقظا وهو راقد، متحركا وهو هامد، نشطا وهو خامد، حيا وهو جامد، متحدا وهو متفرق، مهتديا وهو ضال، ذاكرا وهو ناس، واعيا وهو غافل، شاهدا وهو غائب. وقد استمر على تلك الحال حينا من الدهر حتى بعث الله- عز وجل- فيه أئمة راسخين في العلم مخلصين في العمل، أمارين بالمعروف، نهائين عن المنكر، فدعوه إلى الخير فأقبل، ونادوه إلى الكرامة فاستجاب، وعلموه من حقائق الدنيا والدين ما لم يكن له به علم، فاتخذ إلى ربه سبيلا، فأولئك "العلماء هم الذين أيقظوا الرأي العام من سباته" (١) و"إن مجددي فكرة الوطن الجزائري هم بالأحرى هؤلاء الذين أسسوا جمعية العلماء، أي الشيخ عبد الحميد بن باديس وأشد أتباعه حماسة كالشيخ الإبراهيمي " (٢)، و " ان ما قدمه العلماء لإثارة إحساس


١) شارل أندري جوليان: افريقيا الشمالية تسير. تعريب: المنجى سليم وآخرين، الجزائر: الشركة الوطنبة للنشر والتوزيع، تونس: الدار التونسية للنشر، ١٩٧٦، - صلى الله عليه وسلم - ١٣٣.
٢ محمود قاسم: الإمام عبد الحميد بن باديس، الزعيم الروحي لحرب التحرير الجزائرية، القاهرة، دار المعارف، ١٩٦٨، ص٢٨، وهو ينقل عن lacouture في كتابه ٥ hommes.

<<  <  ج: ص:  >  >>