للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتستند على سناد من القوة التي لها هوى في بقاء ما كان على ما كان، ولا تلتئم مصلحتها مع الإصلاح الديني، وسينهار هذا السناد بظهور الحق، ونحن على يقين ان وجود هذه الفرقة طبيعي، ومن سنن الله التي لا تقاوم، وسيكتسحها الزمن وتقلباته لعدم صلاحية ما هي عليه لهذه التقلبات، فقصارى صنعنا مع هذه الطائفة أن نتربّص بها صنع الله.

وقد تكالبت علينا هذه الفرقة في بعض الأحايين، وجاء بعض أفرادها في باب الكيد لنا بما لم يأت القتيل بعشره، ومع ذلك فلم تحدّثنا أنفسنا أن نلتجى في مقاومتها إلى الطرق السافلة التي تأباها تربيتنا الإسلامية، وتأباها أصول مبدئنا الإصلاحي المبني على التسامح قبل كل شيء.

أما الشيخ كحول الذي يحاول المغرضون جعله ممتازًا في باب المضادة للإصلاح ليبنوا عليه ما تسوّله لهم أنفسهم، فإننا لا ندّعي- بهتانًا- أننا أصدقاء له، ولكننا لا نجيز لأحد أن يدّعي علينا أننا أعداء له بالمعنى العرفي الذي يفهمه الناس من كلمة العداوة وهو الذي يكون من آثاره إضمار الشر والسعي في الانتقام، وإنما نحن معه كشأننا مع بقية الناس، نرى رأيًا في الدين ويرى هو خلافه، والحكم بيننا هو الدليل فإذا لم يقنع فأمره إلى الله.

ونحن لا نعتبر من هذا الرجل بخصوصه وصفه بالعلم وإنما نعتبر علاقته بالحكم، والرجل كما عهدناه ذكي نزاع بطبيعته إلى الاستقلال الفكري، فلو تركته الظروف لكان في عداد المصلحين، وعلى هذا فمعارضته للإصلاح الديني ليست ذاتية وإنما هي مصطنعة، وإذا كان في الرجل ميزة يمتاز بها عن خصوم الإصلاح فهي هذه.

والرجل يجمع إلى وظيفه الديني وظيفًا آخر إداريًا، وكلتا الوظيفتين بطبيعتهما لا تخلو من ملابسات واحتكاكات تغرس لصاحبها البغضاء في نفوس أقوام والمحبة في نفوس آخرين، وصاحب الوظيف الديني في هذا الوطن الشاذ الأوضاع غير محدود العمل ولا مضبوط المسؤولية ولا واضح العلاقة مع رئيسه، وإنما هو كالقدح الفرد يستعمل حينًا آلة كيد وحينًا جارحة صيد، ولذلك كانت معارضة الرجل بالتلغراف المشهور قليلة التأثير في نفوس العقلاء لعلمهم أنه كتب باسمه لا بيده ...

ونحن، للاعتبارات التي ذكرناها، وبطبيعة مبدئنا الإصلاحي الديني نقول بألسنة لم تتعوّد الكذب والمداجاة، ومن أفئدة لم يستقرّ فيها مع الخوف من الله الخوف من المخلوق:

إننا لم نفرح لمصرع الشيخ كحول كما يظن الخراصون، ولم نتمن قط أن تكون خاتمته هذه الخاتمة، بل قابلنا الجريمة عند السماع بها بالأسف العظيم والاستنكار الشديد، واستعذنا بالله من كيد الكائدين ومكر الماكرين وغدر الغادرين، وسألناه توفيقًا يعصم من مصارع السوء ويقي من مزالق الفتن ويحفظ من عواقب المحن.

<<  <  ج: ص:  >  >>