للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإفراج عن الأستاذ العقبي ورفيقه]

لم يخالجنا الشك لحظة في أن مصير الأستاذ العقبي ورفيقه السيد عبّاس التركي هو الإفراج وبراءة الساحة، وان الحق في هذه التهمة الشنعاء سيتجلّى للعيان، ولكننا كنّا نذهب في تقدير المدة مذاهب لا تحكم فيها إلا نتائج التحقيق، وقد لبث الأستاذ في السجن ستة أيام بلياليها، ولبث رفيقه نصفها ولم نمتعض- علم الله- للسجن وان عظم خطبه، ولا للسجين وان جل عندنا قدره، ولكننا كنا نمتعض لحظ هذه الأمة العاثر وطالعها المنكود، فهي كلما أقدمت على خير وشارفت الوصول إليه وبسطت الراحتين لتناوله، رماها الشيطان بفتنة هوجاء، أقل آثارها إطالة المدة، ومضاعفة الشدة، ومع ذلك الامتعاض فإن رجاءنا في الله وحده لم ينقطع، وثقتنا بالعدالة ورجالها لم تتزعزع.

كان اليوم السادس من اعتقال الأستاذ العقبي هو اليوم المعين للتحقيق معه ومقابلته بالجاني، وكنا ننتظر نتيجة هذه المقابلة بوثوق بالحق، واطمئنان إليه. واستدعى قاضي التحقيق الأستاذ من معتقله وجيء بالجاني، وكان محاميا الأستاذ حاضرين، فلما مثل الجاني أمام القاضي وألقى عليه الأسئلة في الموضوع رجع على تلك الوصمة التي رمى بها الأستاذ، واعترف اعترافًا صريحًا بأنه مبطل فيها ومفتر على الأستاذ، وانه يرجو منه في هذا المجلس أن يسامحه ويعفو عنه، وأعلن أنه رجع عن الباطل إلى الحق، وكانت مفاوضة بين القاضي والمحاميين في قانونية إطلاق الأستاذ ورفيقه أسفرت عن لزوم الإفراج عنهما في تلك العشية.

أطلق سراح الأستاذ ورفيقه في لحظة واحدة في منتصف الساعة السادسة وذهب بهما المحاميان إلى بيتيهما من طريق قليلة السلوك تفاديًا من التشويش والهيجان، ولكن الخبر انتشر بسرعة واهطعت الخلائق إلى داري الأستاذ ورفيقه (وكانتا متصاقبتين)، وطفق الناس في الشوارع يهنئ بعضهم بعضًا والبشر يطفح على وجوههم والدموع تسيل فرحًا، وكان مشهد الجموع المتدفقة على الأستاذ للتهنئة والتحقق من سراحه مشهدًا رائعًا، تجلّت فيه عواطف المحبة والأخوة الإسلامية والتقدير للرجال العاملين.

واضطربت أسلاك البرق والتلفون في ذلك المساء تحمل البشرى إلى أطراف القطر وإلى خارج القطر.

ثم تضافرت الأخبار وحملت إلينا الوفود ان تلك الليلة كانت ليلة عيد ضاحك مبتهج في جميع البلدان، وان كثيرًا من الناس أحيوها إلى الصباح في مرح وسرور وابتهاج، وانهم نسخوا بها كل ما اعتراهم من حزن وألم لاعتقال الأستاذ.

ثم انهالت علينا في الأيام الموالية رسائل التهنئة، برقية وبريدية من القطر الجزائري وغيره من الأقطار، وكانت ترد علينا في كل ساعة عشرات البرقيات من الصباح إلى الساعة

<<  <  ج: ص:  >  >>