للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تمنوا لرأينا منهم لأول مرة في حياتهم اتفاقًا يغبطون عليه في تعيين الاثنين وتبيين الاسمين ... وإذا كان الأقوياء يقادون بالهوى فما الظن بالضعفاء؟

إن خصومنا الضعفاء جهال بمعاني الحياة وأسبابها، جبناء في مواقفها، أذلة مع كل من ينازعهم حبلها، وهم لذلك كله لا يدركون معنى من معاني الشرف والرجولة وهم- لمهانتهم- يفهمون من أسباب العلو أسباب المهانة ولا يفهمون من أسباب "الحبس" إلا ما هم أهله من التزوير والإفلاس، وكل أموال الناس، وإلّا ما يرتبط بنفوسهم الوضيعة من نتائجه كالاحتقار وازدراء العيون.

أما الأسباب الشريفة والمعاني الشريفة، والنتائج الشريفة، فهيهات أن تخطر لهم ببال.

أما خصومنا الأقوياء فهم أول من يعلم أن دخول السجن شرف ما بعده شرف إذا كان في سبيل الحفاظ للدين أو الخدمة للوطن أو الإسعاد للأئة أو غير ذلك من الشؤون العامة التي يكبرها الناس ويفيضون عليها الاحترام والتقديس، وان الحبس لهذه الأسباب بقدر ما يضيق على صاحبه أيامًا معدودات يوسع له في آفاق الشهرة والخلود.

لذلك نراهم يضنون به علينا ويبتعدون بنا عن طريقه، مع أنهم يملكون أسبابه ووسائله ما داموا يملكون الظلم والاستبداد والكذب "ومن أوتي الكذب فقد أوتي الأسلحة كلها"، ولكنهم لم يتورّعوا- ولن يتورّعوا- عن إدخالنا للسجن باسم الإجرام. إذا لم يذكروا ان حبل الكذب قصير وان المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، وان غير المجرم بالطبع لا يكون مجرمًا بالصناعة، وان الحيلة تفلح في كل شيء إلا في تبديل طبائع الموجودات الحقيقية، وان الاعتماد على مجرم بالطبع- في تلويث بريء بالطبع- إجرام لا يغتفر، وان إكراه الأسباب على أن تؤتي غير نتائجها الطبيعية يوشك أن يفضح صاحبه فلا تجري الأسباب إلا على سننها ولا تؤتي إلا نتائجها.

ومن العجيب أن خصومنا الأقوياء الأذكياء لم يذكروا كل هذا حينما أقدموا على فعلتهم وأتوا بها شنعاء على الأيام. فأنتجت لهم هذه الحادثة ضد ما أملوا وأتتهم بعكس ما أرادوا. وقد أملى عليهم الحقد أن ينتقموا من هذه الأمة، فانتقمت منهم الأمة، وظنّوها غريرة كما عهدوها تنقاد للكائد، وتنخدع للصائد، فكشف لهم الغيب ما لم يعهدوا ولم يتعوّدوا.

أرادوا أن يثيروها على السلطة أو على نفسها فلم يفلحوا، وأرادوا أن يشوّهوا سمعة جمعية العلماء بينها فلم ينجحوا، وأرادوا أن يشتتوا شمل هذه الجمعية وشمل أنصارها، فما زادت على الشدة إلا التحامًا والتئامًا، وأرادوا أن يحطوا من قدر الأستاذ العقبي وينقصوا من سمعته فزادوه علوًا وسموًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>