للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعماله وآماله، المستبصر في مبادئه ومصائره المغتبط بما قدم من صالح، وإن قلّ، المستشرف للعظائم وإن هالت وجلت.

نقف لا لنعدّ الأيام والشهور، ولكن لنعد الأعمال ونزن الأعمال بآثارها ونرى إلى أي حدّ في النجاح وصلنا، وعلى أية درجة في الإصلاح حصلنا.

إننا- أيها الإخوان- لا نزن الأعمال بما هي عليه في أنفسها ضخامة وضؤولة، وإنما نزنها بآثارها المنبعثة منها المترتبة عليها.

وإن كثيرًا من الناس حتى من أنصار الجمعية ليستقلّون هذه الأعمال في أنفسها ويحتقرونها في حدّ ذاتها فيغمطون الجمعية حقّها ويقولون انها لم تعمل شيئًا له خطر. وما أوتوا- عافاهم الله- إلا من غفلتهم عن آثار الأعمال ونسيانهم ان من الأعمال ما هو كعود الكبريت جسمه ضئيل وأثره جليل، أو كخيط الكهرباء جوهره دقيق وعمله عظيم، وان الأعمال التي يريدها هؤلاء من الجمعية ويصحّ إطلاق اسم الأعمال عليها في عرفهم، مدارس عديدة تشاد، ودروس مختلفة تُلقى، وأموال طائلة تجمع، ومرتبات ضخمة تفاض وبعثات علمية تنظّم، ومشاريع عملية تؤسّس، وصحف منوّعة تنشر، ودراسات منظّمة تذاع في الأمّة، ومواقف فاصلة تنجلي عن قوة القوي وضعف الضعيف.

إن هذا الذي يريدونه لعظيم، وان النفوس المتعلّقة به لكبيرة وانه لمن آمال جمعية العلماء، يشغل تفكيرها وتجمع له أسبابه وترصد لبلوغه كل شارقة، فاما أن تطالب به وهي لم تستكمل وسائله فلا ... وأما أن تقاس أعمالها بهذا المقياس فلا ...

إن أقصر الناس نظرًا من يسقط في حكمه على الأشياء اعتبار الزمان والمكان والفاعل والقابل والأوضاع الخصوصية. ولو ذكر هؤلاء الأمة الجزائرية في طورها الحاضر ووضعها الحاضر، وذكروا كيف تُساس والقوانين التي بها تُساس، وذكروا الجمعية وأنها تكوّنت في ليل من السياسة غاسق وجوّ من مكائدها قاتم، وقاسوا يومهم بأمسهم، ونظروا من الأعمال إلى آثارها ومن الآثار إلى اتّساعها ومن الاتّساع إلى الحدود والآفاق، لكانوا في حكمهم أقرب إلى النصفة والمعدلة.

إنني- أيها الإخوان- أحاول في موقفي هذا أن أقصّ عليكم طائفة من الآثار المشهودة والغايات المحمودة التي وصلت إليها جمعيتكم في بضع سنين، وأحاول أن أشرح لكم النواحي التي لقيت فيها النجاح، والميادين التي صادفت فيها الفوز.

أيها الإخوان: من الغلط أن يقال إن جمعية العلماء جمعية دينية يجب أن ينحصر عملها في الإصلاح الديني بمعناه الذي عرفه الناس، ومن فروع هذا الغلط ما رماها به بعض مرضى

<<  <  ج: ص:  >  >>