للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العقول وصرعى الجهل من أنها خرجت عن مدارها حين زجّت نفسها في بعض شؤون الحياة غير الدين.

والحقيقة أن هذه الجمعية تعمل من أول يوم من تكوينها للإصلاح الديني وللإصلاح الاجتماعي، وكل ذلك يسع الإسلام، وكل ذلك يسعه مدلولها وموضوعها وقافونها. فالإسلام دين واجتماع. وإذا كانت دائرة الأول محدودة فإن دائرة الثاني واسعة الأطراف، وان الإصلاح الديني لا يتمّ إلا بالإصلاح الاجتماعي، ولهذا الارتباط بين القسمين، فإن جمعية العلماء- وهي الجمعية الرشيدة العالمة بحقائق الإسلام- عملت منذ تكوينها في الإصلاحين المتلازمين، وهي تعلم أن المسلم لا يكون مسلمًا حقيقيًا مستقيمًا في دينه على الطريقة حتى تستقيم اجتماعيته فيحسن إدراكه للأشياء وفهمه لمعنى الحياة وتقديره لوظيفته فيها وعلمه بحظه منها وينضج عقله وتفكيره ويلم بزمانه وأهل زمانه ويتقاضى من أفراد المجموعة البشرية ما يتقاضونه منه من حقوق وواجبات، ويرى لنفسه من العزّة والقوّة ما يرونه لأنفسهم وتربط بينه وبينهم رابطة الأخوة والمساواة والمصلحة لا رابطة السيادة عليه والاستحسار دونه.

وقد نجحت الجمعية إلى حدّ بعيد في إفهام الأمة هذه المعاني الاجتماعية وتوجيهها إلى مجاراة السابقين وتهيئتها لأن تكون أمّة عزيزة الجناب مرعية الحقوق ثابتة الكيان محفوظة الكرامة صالحة للحياة مساوية للاحياء، وفي اعلامها أن بغي القوي على الضعيف قد طمس معالم الحق بينهما وردّهما إلى نوع من الحيوانية كالذي بين الذئب والخروف، حتى أصبحت الاممتطالة في الأقوياء طبيعة والاستكانة في الضعفاء طبيعة، وان طبيعة الأولين لا تتبدل إلا بعد تبدّل طبيعة الآخرين وان الحقوق التي أخذت اغتصابًا لا تسترجع إلا غلابًا.

ويا ويح الجاهلين، أيريدون من كلمة الإصلاح أن نقول للمسلم قل: لا إله إلا الله مذعنًا طائعًا وصلّ لربّك أواهًا خاشعًا، وصم له مبتهلًا ضارعًا، وحج بيت الله أوّابًا راجعًا، ثم كن ما شئت نهبة للناهب، وغنيمة للغاصب، ومطية ذلولًا للراكب، ان كان هذا ما يريدون فلا ولا قرة عين، وإنما نقول للمسلم إذا فصلنا: كن رجلًا عزيزًا قويًا عالمًا هاديًا محسنًا كسوبًا معطيًا من نفسك آخذًا لها عارفًا بالحياة سبّاقًا في ميادينها، صادقًا صابرًا هيّنًا إذا أريد منك الخير، صلبًا إذا أردت على الشر.

ونقول له إذا أجملنا: كن مسلمًا كما يريد منك القرآن وكفى ...

ونجحت الجمعية- كذلك- نجاحًا جليًا مشهودًا ظهرت آثاره للعيان وَلَمَسَهُ الموافق والمخالف والمعتدل والمتجانف، في تصحيح عقائد الأمّة الجزائرية وتطهيرها من شوائب الشرك القولي والعملي التي شابتها، فصحّت العقائد وصحّت لصحّتها الإرادات والعزائم،

<<  <  ج: ص:  >  >>