للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

موارد رزقهم منها، فهم يحاولون استدرار الرزق، وبعضها من المتحكّمين في هذه الأمة الذين أحسّوا بتقلّص ظلّ استبدادهم فهم يحاولون لها استمرار الرزق، ويعلمون بذلك أن الغاية المرجوة لهؤلاء الدافعين والمدفوعين هي التشويش على العاملين لخير هذه الأمة، وإلقاء الأحجار في طريقهم، وإشغالهم بهذه المظاهر الباطلة عن الحق الذي يعملون له، وإبعاد من يقع في حبالة كيدهم من العامة عن حظيرة الاتحاد الحقيقي.

ولو كان لهؤلاء المدفوعين بقية عقل يوجه إليها الخطاب، وبصيرة تنفذ إلى عواقب الأمور، وصلة بالأمة تحملهم على الشفقة عنها- لما أقدموا على الظهور بهذا المظهر الجديد، ولَتعلّموا أن اليد التي حركتْهم إنما حركتهم لتصفع بهم الأمة الإسلامية، وأنها إنما حركتهم لتسكن بهم الحركة المنبثة في الأمة الإسلامية، وأنها إنما أيقظتهم لتوقظ بهم فتنة في الأمة، ولتحدث بهم خللًا في صفوف الأمة وشللًا في الأعضاء العاملة للأمة- ولكن القوم لا يعقلون، وهيهات أن يعملوا لكرامة الأمة وإعزازها، وهم بشهادة التاريخ والواقع الساعون في إذلالها، أو يسعوا في إنقاذها من الظلم وهم كانوا ولا زالوا أظلم الناس لها، استعبدوا أرواحها ثم عبَّدوا أبدانها للغير وأَكَلَةِ مَالِهَا باسم الدين، ثم أسلموها للمعتدين.

ولقد تفرسنا فيهم فصحَّت الفراسة، وبلَوْناهم فصدق الابتلاء، وجرَّبْناهم فكشفت التجربة على أنهم لا يعرفون الأمة إلا في مواقف الاستعباد وابتزاز الأموال، فإذا مَسَّها الضر وتنكَّر لها الدهر تنكَّروا لها وتجاهَلُوها، وإن علاقتهم بالأمة علاقة السيد بعبده والمالك لمملوكه لا علاقة المسلم بأخيه المسلم، يحب له ما يحب لنفسه، وأنهم مطايا الاستعمار الذُّلُل وأيديه الباطشة؛ بل القنطرة التي هوَّنت عليه العبور، وانهم كانوا ولا زالوا على خلاف ما وصف الله به عباده المؤمنين أعزة على الأمة أذلة على المستعمرين والحكام المستبدين، وأن ليس في صحائفهم السوداء موقف يعز الإسلام أو يرفع المسلمين. وهذا تاريخهم الماضي الملحود، وتاريخهم الحاضر المشهود يسجلان عليهم أنهم أعوان على هذه الأمة للدهر، وحلفاء عليها للفقر، وإِلْبٌ على دينها مع التبشير بالكفر، وانهم هم الذين أَمَاتُوا رهبة الإسلام ونخوة الإسلام بخضوعهم واستسْلامهم، كما أمَاتُوا حقائقه بأساطيرهم وأوهامهم، وأنهم مردوا على الملق والمداهنة المزرية بشرف الإسلام في المواقف التي تسمو عن المجاملة وتقتضي نهاية الصدق في المعاملة.

ولئن شِئْنا لنفضحنهم فضيحة يَسِمُهُم عارها إلى يوم القيامة، ويَصِمُهم بأنهم ليسوا من الأمة ولا كرامة، وتكون خاتمة الحجج الناطقة باستسلامهم واحتقارهم لأنفسهم ولإسلامهم، فقد وقعت بأيدينا من زمن قريب نسخة مخطوطة من القانون الأساسي لجمعية الطرق الدينية بقسنطينة مطبوعة بختم الجمعية وممضاة بإمضاء كاتبها العام فعجبنا أولًا لعدم طبع القانون كما هو شأن الجمعيات، ثم تَلَمَّسْنا السر في مواده فإذا في بعضها ما نصه: إن

<<  <  ج: ص:  >  >>