للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قام الإمام الإبراهيمي في ذلك الاجتماع التاريخي بدور فعّال، وبذل مجهودًا كبيرًا في أشغاله، وأسهم مساهمة نوعية في مناقشاته، فأبان علمًا، وأظهر حزمًا، وأبدى عزمًا، فَعُهِد إليه إعداد قانون الجمعية، فأعدّه بحكمة وبصيرة، فأكبره المؤتمرون، واعترفوا بفضله، فأسندوا إليه نيابة رئاسة الجمعية، فكان القوي الأمين.

رأت الجمعية أن توزّع كُبَراءها على مناطق البلاد الرئيسية للإشراف على أعمالها، وتسيير شؤونها، فتولى الإمام ابن باديس الناحية الشرقية، وعُهِد إلى الشيخ الطيب العقبي بالناحية الوسطى، واختير الإمام الإبراهيمي للإشراف على الناحية الغربية، متخذًا من مدينة تلمسان مقرًا ومثابة. وما كان اختيار الإبراهيمي لهذه المقاطعة إلا لأنها "المعقل الحصين للمرابطين والطرقيين المتعاونين تعاونًا مكشوفًا مع الإدارة الاستعمارية، لذلك فقد كان لا بد لإنجاح الدعوة الإصلاحية في هذه المنطقة من وجود شخصية لها قيمتها العلمية والفكرية، وتتسم بالشجاعة والنشاط" (١٨). وفعلًا فقد كان الإمام الإبراهيمي كالشهاب الثاقب فيه النار المحرقة للبدع وأوليائها، وللإستبداد وزبانيته؛ وفيه النور المبين لمن كان له قلب أو ألقى السمع.

أما سبب إقامته في تلمسان، وليس في وهران عاصمة المقاطعة الغربية، فيبدو أنه تحكم فيه ثلاثة اعتبارات هي:

١ - أهمية مدينة تلمسان التاريخية والحضارية، فهي عاصمة لإحدى أهم الدول الجزائرية هي الدولة الزيانية، وهي حاضرة علمية أنجبت واستقطبت كثيرًا من العلماء والأدباء.

٢ - وجود إحدى المدارس العربية الثلاث بها، وهي مدارس أنشأتها فرنسا في منتصف القرن التاسع عشر، فهي أحد المراكز الاستشراقية الفرنسية في الجزائر، فكان لا بد من وجود شخصية علمية كبيرة تستطيع مواجهة تأثير الفكر الاستشراقي.

٣ - تنفيذ موعدة وعَدَ بها الإمام ابنُ باديس مصلحي تلمسان، حيث سبق له أن زارها- سنة ١٩٣٢ - وألقى بها درسًا، فأعجب به التلمسانيون، وأرادوا إبقاءه بينهم، فاعتذر، ووعدهم أن يرسل إليهم من هو أعلم منه (١٩).

ألقى الإمام الإبراهيمي عصاه بمدينة تلمسان في بداية سنة ١٩٣٣ فإذا هي تَلَقَّف الجهل والبدع، فقد كان القوم عاكفين على القبور، داعين إلى الثبور، متفرقين إلى شِيعَ، منقسمين إلى


١٨) أحمد الخطيب: جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأثرها الإصلاحي في الجزائر. الجزائر، المؤسسة الوطنية للكتاب١٩٨٥، ص١٥١. وكلمة المرابطين هنا لا صلة لها بالمرابطين الذين أسسوا الدولة المعروفة في المغرب العربي، وهي هنا مرادف لكلمة المتصوفين والطرقيين.
١٩) هذه القصة متواترة بين أعضاء جمعية العلماء، وحدثني بها أصحاب الفضيلة الشيوخ: بومدين التاجر، إمام مسجد دار الحديث- رحمه الله- وعبد الرحمن شيبان، ومحمد الصالح رمضان.

<<  <  ج: ص:  >  >>